عون بين خياري التمديد و«العصيان» في بعبدا

العميد الركن نزار عبد القادر

وعد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون اللبنانيين بالتمديد لرئيس الجمهورية العماد عون في نهاية عهده في عام 2022، دون ان يُحدّد الأسباب الموجبة أو السيناريو المتوقع للتمديد. واكتفى عون بالقول بأن «عدم التمديد هو ظلم بحق الرئيس عون وبحق قسم من الشعب اللبناني»، وأضاف «على كل حال واصلين عليها».

في رأينا تشكّل نبوءة النائب عون دعوة صريحة للبنانيين لشد الاحزمة استعداداً للاقلاع في رحلة ثالثة من حكم العماد عون، وكأن ما ألحقه من دمار وأضرار بالكيان وبالشعب خلال فترتي حكمه السابقة والراهنة لا يكفي لكي يرفض اللبنانيون ركوب مثل هذه المغامرة الخطرة على مصيرهم ومصير دولتهم من جديد.

في الواقع يتجاهل النائب عون وأمثاله من الملتحقين بالتيار الوطني الحر سوء أداء الرئيس عون في ممارسة السلطة، سواء عندما كان رئيساً للوزراء في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، أو الكوارث التي لحقت باللبنانيين جرّاء الانهيار الاقتصادي والمالي الحالي والانفجار الكارثي الذي حدث في مرفأ بيروت في 4 آب 2020 في ظل عهده المستمر كرئيس للجمهورية. وتشكل هذه الدعوة اهانة لذكاء اللبنانيين، كما يمكن اعتبارها بمثابة تجاهل لسوء أداء الرئيس عون وتياره في السلطة، وتنكراً لمسؤوليتهم عن كل ما لحق بلبنان وشعبه من كوارث سياسية واقتصادية ومالية منذ بداية العهد عام 2016، وحتى يومنا الراهن.

اللافت أيضاً في الأمر ان مطلب التمديد للرئيس عون يأتي كنتيجة لتراجع حظوظ جبران باسيل في الاستحقاق القادم عام 2022، وذلك نتيجة الأخطاء السياسية الكبرى التي ارتكبها خلال ممارسته للسلطة سواء في وزارة الطاقة أو في وزارة الخارجية، هذا بالإضافة لتبعيته لنفوذ حزب الله، ومملأته للنظام السوري، مع كل ما نتج عن ذلك من اضرار على سمعة العهد وسيده، بالإضافة إلى الاضرار الاقتصادية والمالية. ولا بدّ أيضاً من التوقف عند ما لحق من اضرار بعلاقات لبنان الخارجية، حيث أدى نزق الوزير باسيل في وزارة الخارجية إلى عزل لبنان دولياً وعربياً. وهذا ما أدى في نهاية الأمر إلى اتهامه بالفساد من قبل وزارة الخزانة الأميركية، وتمثل العقوبات الأميركية في رأينا ضربة قاضية لكل آمال ومساعي باسيل لخلافة العماد عون في موقع الرئاسة.

لكن فإن ما يثير العجب والدهشة، بأن باسيل يسعى إلى تخفيف صدى ومفاعيل الاتهامات الأميركية له بالفساد، وذلك من خلال السعي إلى إلغاء العقوبات عليه، وبالتالي العمل على إعادة تعويم اسمه وحظوظه للوصول إلى رئاسة الجمهورية، وبما يذكرنا بالقول الشائع «وعد بليس بالجنة».

لا بدّ من التساؤل عن الأهداف الكامنة وراء استعجال طرح التمديد للرئيس عون في هذه الفترة بالذات؟ هل هي محاولة لتخفيف الضغوط التي يتعرّض لها الرئيس جرّاء العقدة الكأداء التي فرضها مع جبران باسيل في عملية تشكيل الحكومة، سواء لجهة مطلب الثلث المعطل، أو لجهة تسمية جميع الوزراء المسيحيين، وبالتالي نسف مطلب تشكيل حكومة «مهمة» من الاختصاصيين غير السياسيين وغير المنتسبين للاحزاب، وفق رؤية الرئيس المكلف سعد الحريري، والتي يسانده فيها البطريرك بشارة الراعي؟

تأتي «نبوءة» التمديد في سياق حملة يشنها قياديون بارزون في التيار، هدفها مزدوج: الدفاع عن العهد أولاً، وذلك في مواجهة اتهامه بالفشل في تنفيذ أية خطوات إصلاحية، وصولاً إلى تعطيل عملية تشكيل حكومة إنقاذية، والسعي لتعويم حظوظ باسيل ثانياً، كالمرشح الأبرز والاقوى في الاستحقاق الرئاسي المقبل، وذلك انطلاقاً من كونه رئيس لأكبر تيّار سياسي وكتلة نيابية مسيحية، بالإضافة إلى دعم حزب الله والنظام السوري له.

في رأينا لم يكن من الضروري انتظار الانهيار المالي والاقتصادي أو انطلاق ثورة 17 تشرين لاعلان فشل عهد الرئيس عون مع كل ما حمله من شعارات إصلاحية، ذهبت جميعها طي النسيان منذ السنة الأولى من عمر العهد، فبذور فشل العهد تعود إلى ما قبل عام 2016، وهي ترتبط ارتباطاً مباشراً وعضوياً بمواقفه الرافضة للاعتراف بمفاعيل الدستور الذي حصل كترجمة عملية لاتفاق الطائف. لقد استمر عون في انتقاد الطائف ورفضه له منذ عام 1990، واستمر في رفضه له حتى بعد انتخابه للرئاسة عام 2016 حيث اعتبر بأن انتخابه قد جاء نتيجة ما يمثله من قوة سياسية وشعبية، كان حزب الله بأمس الحاجة إليها، ليحقق هيمنته السياسية والعسكرية في ظل التوازنات التي يرسيها النظام الطائفي اللبناني.

وانطلاقاً من هذا التقييم السياسي، الذي اعتمده الرئيس عون وتياره السياسي، فقد سعى الرئيس إلى لعب دور في ممارسة السلطة، يتعدى بشكل واضح ما يجيزه له الدستور. ولعلّ المواقف المتصلبة التي يتخذها من مسألة تشكيل الحكومة الإنقاذية هي آخر مظاهر الممارسة خارج الأطر التي رسمتها مواد الدستور.

فات الرئيس عون الاستفادة من انطلاق الثورة في بداياتها، من خلال ركوب موجة الإدانة الشعبية العارمة للطبقة السياسية، وخصوصاً بعد استقالة حكومة الحريري. كان بإمكان الرئيس ركوب الموجة الشعبية، والمشاركة في ادانة الطبقة السياسية «الفاسدة» وتأكيد مسؤوليتها عن الانهيار المالي كوسيلة لتوحيد الشارع (الثورة زائد جمهور التيار) ضد الطبقة السياسية، ومن ضمنها بعض وزراء التيار المتهمين بالفساد وعلى رأسهم باسيل.

ظهر جلياً الموقف السياسي المتضعضع للرئيس عون من خلال ظهوره على التلفزيون وهو يخاطب جمهور التيار، ليحثه على الوقوف والمقاومة ضد الجماهير الشعبية المطالبة بالاصلاح، وهذا ما أدى إلى تحميل الرئيس مسؤولية الفشل والفساد المعمم في السياسية وفي مؤسسات الدولة.

واضاع الرئيس عون فرصة ذهبية ثانية لاحياء دوره السياسي من خلال سوء ادائه في مواجهة نتائج انفجار المرفأ في 4 آب والذي كان يفترض منه ان يُبادر إلى ممارسة دوره كرئيس وأب لكل اللبنانيين، فيشارك أهل الضحايا والمتضررين مصابهم ويأخذ بيدهم ويُخفّف مصابهم، لكنه تقاعس عن ذلك، وهذا ما اظهرته جلياً زيارة الرئيس ماكرون للمرفأ وحيداً، وانخراطه مع النّاس، من أجل التضامن معهم وتخفيف آلامهم.

في النهاية، لا بدّ أن تثير دعوة النائب عون لتمديد العهد العديد من الهواجس لدى أكثرية اللبنانيين، حيث انها تمثل مؤشراً على إمكانية الاستمرار في منع تشكيل حكومة إصلاحية قادرة على استعادة ثقة الشعب بالدولة، وبالتالي تفعيل مؤسسات الدولة الرئيسية، وبما يفتح الباب لاجراء انتخابات رئاسية ونيابية وبلدية في مواقيتها. من هنا يمكن اعتبار الدعوة للتمديد بمثابة إنذار شؤم عما يمكن ان ينتظره اللبنانيون من نهاية العهد، وبما يفتح الباب لتوقع تعطيل انتخاب خلف، إذا لم يكن جبران باسيل هو المرشح الوحيد للانتخابات، وذلك في سيناريو مشابه لانتخاب عون. ولن يكون مثل هذا الأمر متيسراً في ظل المتغيّرات المتوقعة، على المستويين الدولي والعربي.

كنا نتمنى لو استفاد قياديو التيار من قراءة التاريخ لإنقاذ سمعة الرئيس عون وموقعه كرئيس لجمهورية لبنان من خلال الإسراع بدعوة باسيل للاستقالة والخروج من السياسة بعد اتهامه بالفساد، وذلك على غرار استقالة وزير داخلية بريطانيا ريجينالد مودلينغ من وزارة الداخلية عام 1972، وذلك على خلفية علاقته مع رجل الأعمال جون بولسون الذي اتهم وحوكم بتهمة الفساد والرشوة.

ولا بدّ في اخر الكلام من التوقف والتحذير من مغبة تكرار الرئيس عون لسيناريو الاستمرار قسراً في السلطة على غرار ما فعله في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

Read More