المؤرخ عصام خليفة: الترسيم البحري يجب أن يبدأ من رأس الناقورة

في مئوية لبنان الكبير، عاد المفاوض اللبناني إلى الطاولة لترسيم الحدود الجنوبية مع إسرائيل. هذه الخطوة تكتسب كثيراً من الأهمية لناحية الحفاظ على الحقوق الاقتصادية، وإطلاق أعمال التنقيب في شرق المتوسط، إلا أنها أثارت كثيراً من التساؤلات حول المعايير والضوابط الواجب اعتمادها للحفاظ على الحقوق التاريخية للدولة اللبنانية. 

فرض الواقع المستجد ضرورة العودة إلى الخبرات العلمية والتاريخية، وبرز اقتراح ضم المؤرخ اللبناني عصام خليفة إلى الوفد المفاوض، وهو صاحب عشرات المؤلفات التي توثق قضية الحدود. 

وخلال مقابلة مع خليفة، قال إنه يراقب انفراط الدولة في لبنان، إلا أنه يصر على حفظ حقوق اللبنانيين وهيبة دولتهم، مدافعاً عن أصالة الشعب اللبناني، لأن “لبنان مذكور 75 مرة في الكتاب المقدس، وفي سفر القضاة تمّ تحديده من سهل الحولة إلى بحيرة حمص”. 

المراحل الخمس للترسيم

يقدم خليفة نظريته الخاصة في المسألة الحدودية، فهو يرى أن الحدود مرسمة بموجب اتفاقات دولية، ولا حاجة إلى مفاوضات من أجل تحديدها، إنما تثبيتها من خلال التمسك بالقرارات والاتفاقات الدولية، بدءاً بقرار الجنرال غورو في 31 أغسطس (آب) 1920، الذي أعلنه المفوض السامي الفرنسي من قصر الصنوبر في الأول من سبتمبر (أيلول) 1920. 

ينطلق المؤرخ اللبناني في أطروحته من خطوة منهجية، إذ تخضع عملية ترسيم الحدود إلى خمس مراحل أساسية، ألا وهي تعريف الحدود (Definition)، تحديد الحدود (Délimitation)، ترسيم الحدود (Démarquation)، تثبيت الحدود (Fixation)، إدارة الحدود (Administration). 

في ما يتعلق بتعريف الحدود، فقد أقر في القرار (318) الذي اتخذه غورو، وتم تحديد الأماكن الجغرافية على الخرائط بموجب اتفاق فرنسي – بريطاني في 23 مارس (آذار) 1920، الذي قسم مناطق الانتداب بينهما. أما الترسيم فقد كان بموجب اتفاق بوليه – نيوكامب في 7 مارس 1923، حيث يتم نقل الخرائط إلى أرض الواقع، ووضع نقاط حدودية وتحديد خطوط دولية، الذي أقر، “تبدأ الحدود في البحر المتوسط من نقطة تسمى رأس الناقورة، وتتبع خط القمم”. في عام 1924 أُرسل هذا الاتفاق إلى عصبة الأمم للإقرار به دولياً، وفي 6 فبراير (شباط) تم إقرار الاتفاق والمصادقة عليه دولياً، حيث انتهت المرحلة الرابعة. وأخيراً، توصل إلى إدارة الحدود من خلال احترام سيادة الدولة. 

يشير خليفة إلى عقد اتفاق “حسن جوار” بين الفرنسي والبريطاني عام 1926 في أعقاب بعض الإشكالات الحدودية آنذاك، الناجمة عن تداخل الأراضي والحاجة إلى تسهيل دخول الأفراد الذين يمتلكون أراض في الطرفين. ويوضح أن الطرف البريطاني وضع خط تحصينات عام 1930 للحد من تدفق المقاتلين من لبنان للدفاع عن فلسطين إبان ثورة فوزي القاوقجي (قائد عسكري من مدينة طرابلس اللبنانية). 

اتفاق الهدنة

بعد احتلال أجزاء كبيرة من فلسطين، وإعلان قيام إسرائيل عام 1948، عقد لبنان اتفاق الهدنة برعاية أممية عام 1949، تضمنت أن خط الهدنة هو خط الحدود الدولية بحسب المادة الخامسة، أي خط بوليه – نيوكامب، الذي تم إحياؤه بموجب اجتماع ومحاضر لجنة الهدنة المنعقدة بين 5 و15 ديسمبر (كانون الأول) 1949، حيث وضعت نقاط ثانوية تؤكد الحدود القائمة. 

صمد هذا الاتفاق حتى عام 1967، عندما أعلنت إسرائيل إلغاءه بصورة أحادية ومنفردة بعد حربها على مصر وسوريا. 

من جهته، رفض لبنان إلغاء الهدنة، وأيدت الأمم المتحدة موقفه لأنه لا بُد من موافقة الفريقين، ولا يحق لأية دولة إلغاؤها بصورة منفردة، لذلك فإن مفعول الهدنة لا يزال سارياً بموجب القانون الدولي. 

يذكّر خليفة بالقرار (425) الصادر عن مجلس الأمن والذي يطالب بالانسحاب من لبنان حتى الحدود الدولية، أي بوليه – نيوكامب، والمثبت في اتفاق الهدنة 1949. وكذلك القرار (1701) الذي أقر بوقف الأعمال العدائية عقب حرب يوليو (تموز) 2006. 

المؤرخ اللبناني عصام خليفة (اندبندنت عربية)
المؤرخ اللبناني عصام خليفة (اندبندنت عربية)

يصف عصام خليفة “الخط الأزرق” بـ “الهرطقة”، فهو وضع بعد الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة في مايو (أيار) 2000، وهو خط انسحاب تقني، وليس خطاً للحدود اللبنانية الجنوبية. 

مزارع شبعا لبنانية

أعقب احتلال الجولان الدخول الإسرائيلي إلى النخيلة ومزارع شبعا اللبنانية كمقدمة للسيطرة على جبل حرمون، واستمرت سلسلة الاحتلالات بين عامي 1978 و1982. 

يتحدث خليفة عن “خلط شعبان برمضان”، في ما يتعلق بمسألة لبنانية مزارع شبعا، لأنها تتصل بالحدود اللبنانية مع سوريا، وليست مع فلسطين، مؤكداً أنه لا حاجة إلى اعتراف سوريا بـ “لبنانيّة” مزارع شبعا، لأن ذلك مثبت بالوثائق التاريخية، إضافة إلى محضر القاضيين العقاريين اللبناني رفيق غزاوي، والسوري عدنان الخطيب في شأن بلدة شبعا ومزارعها، والموقّع في زحلة بتاريخ 20 فبراير 1946. ويتضمن المحضر اعترافاً بلبنانيّة “شبعا” والمزارع التابعة لها، وبسوريّة بلدة “مغر شبعا”، كما أن هناك اتفاقاً خطياً بين الطرفين يؤكد تبعية المزارع للدولة اللبنانية.  

يجزم خليفة أن إسرائيل تعتدي على خط بوليه – نيوكامب في 13 نقطة، ولا بد للمفاوض اللبناني من المطالبة بحق لبنان بها بدءاً برأس الناقورة، وأماكن أخرى مثل مناطق رميش والمطلة والعديسة وغيرها من المناطق الجنوبية. 

رمزية رأس الناقورة

تجري مفاوضات ترسيم الحدود البحرية وفق أربعة خطوط، الخط الشمالي الإسرائيلي، والخط اللبناني 23، والخط الوسطي المعروف بـ “خط هوف” (نسبة إلى الخبير الحدودي الأميركي فريدريك هوف)، وخط رأس الناقورة والحدود الدولية اللبنانية.

يجزم خليفة أن خط ترسيم الحدود اللبنانية يجب أن يبدأ من رأس الناقورة نزولاً بخط مستقيم، ويلفت إلى أن إسرائيل دفعت حدودها شمالاً لمسافة 30 متراً من خلال الخط الأزرق التقني، وانطلقت منه بخط مباشر صعوداً كخط لترسيم الحدود البحرية، ويؤدي ذلك إلى خسارة 1700 كيلومتر مربع، وذلك لقضم جزء من حقل كاريش اللبناني، وأخذ أكبر قدر من مخزون الغاز. 

استغل المفاوض الإسرائيلي وجود صخرة قرب رأس الناقورة اسمها “تخليت” بطول 40 متراً، وعرض سبعة أمتار، موضحاً أنها لا تظهر إبان وجود الموج. كما ادعى الإسرائيليون أنها جزيرة وجرف قاري لدفع الخط شمالاً، وهذا ما يرفضه خليفة، لأن للجزيرة مواصفات في القانون الدولي، وهي أن تكون مأهولة وقابلة للسكن، وفي الحالتين لا تتوافر الشروط فيها وفق المادة (21) من القانون الدولي للبحار.

يؤكد خليفة أن “خط هوف ظاهراً هو حل وسط، إلا أنه منحاز إلى إسرائيل لأنه لا يطبق القانون الدولي”، ويكرر أنه لا بد من العودة إلى نقطة رأس الناقورة، وهذا ما سينطلق منه المفاوض اللبناني. ويظن أن المفاوضات ستطول، لأن الإسرائيلي يطمح لقضم أكبر مساحة ممكنة من الحقوق اللبنانية لضمها إلى حقول “تمار” و”تانين” و”ليفييتان”، مشيراً إلى وجود ثلاث بلوكات لبنانية محاذية للحدود 8-9-10، وهناك حاجة للحفاظ عليها كاملة. 

ويوضح خليفة أن “طول الساحل اللبناني 169 كيلومتراً، أما الساحل الفلسطيني الذي تسيطر عليه إسرائيل فتبلغ مساحته 149 كيلومتراً. من هنا لا بد أن تكون الحصة اللبنانية هي الأكبر من المنطقة الاقتصادية البحرية. أما في الحقيقة، فقد تم منح لبنان 17 ألف كيلومتر مربع بحري، في حين أن حصته هي 23 ألف كيلومتر مربع، أما إسرائيل فأعطيت 27 ألف كيلومتر مربع، فيما حصتها يجب أن تكون 20 ألف كيلومتر مربع”. 

في المحصلة، يتخوف المؤرخ اللبناني من أن يتغلب حق القوة على مضامين القانون الدولي التي تؤكد الانطلاق من خط الحدود الدولية عند رأس الناقورة، مذكراً بضرورة الحفاظ على الأراضي اللبنانية ومنع التنازل عن أي جزء منها وفق مندرجات الدستور اللبناني.

بشير مصطفى – اندبندنت عربية

,