كتبت رولا حميد في صحيفة النهار: تزخر البترون بالآثار العريقة والمتنوعة بتنوع الحقب التاريخية التي تعاقبت عليها. وتتجلى في بقايا جدران وأعمدة وهياكل تعود إلى أزمنة العصور الغابرة المختلفة.
والبترون مدينة ساحلية، تبعد عن بيروت 50 كلم شمالاً، وتعتبر واحدة من أقدم المدن الفينيقية. ويروي أنيس فريحة، المرجع الأهم لأسماء المدن والقرى والبلدات اللبنانية، أن كلمة “البترون” مشتقة من اللفظة السامية “بتر” ومعناها الصخر، والشاهق العالي، نسبة إلى وفرة الصخور فيها.
وهناك تفسير آخر أورده جوزف إليان ومفاده أن “البترون” مشتقة من كلمة “بوتريس” التي أطلقها اليونانيون على البلدة، وكانوا يتبعونها دائماً بكلمة الجميلة “Beautris la belle” ومعناها عنقود العنب نسبة إلى أشجار الكرمة التي كانت تغطي مساحات واسعة من حقولها وجلاليها.
إلاّ أن الأبوين حبيقة وأرملة، يعتقدان أنها مركّبة من “بيت” و”ترونا” وهي تعني محلة المقدم، وبيت الرئيس.
في البترون سلسلة آثار، وتعتبر واحدةً من أبرز المواقع الأثرية من العصور الوسطى في المدينة هي “القلعة الصليبية” المعروفة بقلعة المسيلحة التي شيدت فوق صخرة هائلة معزولة ذات جوانب شديدة الانحدار، ما يجعل لموقعها مناعة قوية بوجه الغزاة، بينما يبرز في وسط سهل تحيط به الجبال، سد مائي ضخم شيد فيه مؤخراً يحمل اسمها.
وتمتاز البترون بوفرة كنائسها، وأديرتها، ولعل أبرزها كاتدرائية مار أسطفان التي تعود إلى القرن العشرين، والتي تعتبر من أكبر كنائس لبنان، وقد أقيمت مكان كنيسة قديمة، وانتهى بناؤها حوالي سنة 1910 وهي تطل على ميناء المدينة، وتتميز بطراز معماري مزيج من بيزنطي وروماني.
أما كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذكس، فتجاور كاتدرائية مار اسطفان، وقد بنيت على الطراز البيزنطي مع قبة فريدة من نوعها. وقد انتهى بناؤها في آب سنة 1867. وهناك كنيستان أخريان هما كنيسة سيدة الساحة (1898)، وكنيسة سيدة البحر (القرن التاسع عشر).
والسوق القديم، الذي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، تتجلى فيه عراقة التاريخ بأبهى صورها، فهو مبني بالحجر البتروني الرملي، وبالعقود المتصالبة، والسريرية، والتي تجعل منه احد أجمل الأسواق في لبنان. وما زالت بعض الحرف اليدوية موجودة في هذا السوق كالخياطة، والسكافة، والحدادة.
القلعة الفينيقية:
بعد كنيسة مار جرجس يتجه الزائر إلى الجنوب الغربي منها، حيث القلعة الفينيقية. وقد بنى هذه القلعة ملك صور إيتوبعل الأول (القرن التاسع ق.م.) لحماية مملكته من الغزو الأشوري. غير أن زلزال 9 تموز 551 ب.م. خرّب هذه القلعة، فأعاد بناءها سكان البترون آنذاك بطريقة عشوائية كما نراها الآن. واستعملها العرب والصليبيون والمماليك والعثمانيون. وما يظهر من هذه القلعة هو جزؤها العلوي.
المقال كاملا من المصدر: إنقر هنا