صيف لبنان بلا أعراس.. الاقتصاد وكورونا يتحالفان على الشباب

لا موسم أعراس في لبنان، الأفراح التي كانت تعم المناطق في فصل الصيف ستغيب هذا العام، الوضع الاقتصادي المتأزم والخوف من وباء كورونا أربك حياة اللبنانيين ويومياتهم وأجبرهم على تغيير كل مخططاتهم وأطاح أيضا بأفراحهم. 

الأعراس التي كانت تشبه المهرجانات وتجمع مئات الأشخاص باتت اليوم من الماضي. معظم الشبان والشابات الذي كانوا يخططون للزواج هذا الصيف أجبروا إما على إلغاء الحفلات أو تأجيلها اإلى العام المقبل على أمل تحسّن الوضع، نتيجة الغلاء غير المسبوق مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى نحو 200 بالمئة في الأشهر الأخيرة.   

هذه الحسابات تلعب دورا أساسيا في القرار الذي اتخذته لينا ع. عبر إلغاء حفلة العرس والاكتفاء بعشاء صغير يجمع الأهل وعددا من الأصدقاء، وذلك بعدما اكتشفت أن كل ما كانت تخطط له هي وخطيبها تبدّل وتضاعفت تكلفته مع ارتفاع سعر صرف الدولار.

تقول لينا، لـ “العين الإخبارية”: “لا شيء من حساباتنا بقي كما هو، من تكلفة العرس إلى تجهيز المنزل وصولا إلى رحلة شهر العسل، الدفع بات مطلوبا وفق سعر صرف الدولار الجديد وهو ما لا يمكن تأمينه خصوصاً أن رواتبنا بالليرة اللبنانية وفقدت نحو 70% من قيمتها”. 

وتضيف: “لذا كان القرار بعدم تأجيل زواجنا والتركيز على تجهيز المنزل في الوقت الحالي الذي نعتبره أولوية بالنسبة لنا مع الخوف المستمر أيضا أن ترتفع الأسعار أكثر”.

ولا يختلف وضع لينا عن وضع الشابة تمارا ج. التي كانت أنهت ترتيبات عرسها وحددت الموعد في يوينو (حزيران) المقبل، قبل أن تضطر إلى تأجيل العرس لأسباب مرتبطة بالوضع الاقتصادي وتداعيات وباء كورونا على حد سواء، حتى أنها باتت أمام خطر خسارة ما سبق ان دفعته من أموال للحجوزات المرتبطة بالعرس.

تقول تمارا لـ”العين الإخبارية” “اتخذت خيار تأجيل العرس بسبب وباء كورونا الذي سيحول دون قدرة أهل خطيبي الموجودين في أمريكا على المجيء إلى لبنان وبسبب ارتفاع الأسعار غير المسبوق الذي انعكس لي متطلبات الزواج، واخترنا التأجيل ليكون أمامنا المزيد من الوقت لتأمين كل ما نحتاجه حتى الصيف المقبل، على أمل ألا ترتفع الأسعار أكثر”.

وفيما تسارع تمارا لشراء ما تيسّر لها مستفيدة من الامور التي لا تزال تباع بأسعار مقبولة، تشكو من مشكلة واجهتها وهي إما أن بعض الجهات التي وقعت معها عقودا ودفعت لها جزءا من المبلغ، إما أنها تريد أن تجري تعديلات على العقد (بسبب تأجيلها للعام المقبل) لترفع السعر بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار أو أن تعيد لها ما سبق أن دفعته بالدولار نقدا، عبر شيك مصرفي، وبالتالي سيؤدي إلى تجميد المبلغ في البنك، وفق الإجراءات المصرفية الجديدة في لبنان الذي يعاني من شح في العملة الخضراء.

وتضيف تمارا: “حتى إذا قرّرنا الاستمرار بقرار العرس فلن يكون بإمكاننا إلا دعوة عدد محدد تقيدا بالتعليمات التي بدأت تطبقها البلديات مشترطة ألا يجتمع أكثر من 40 شخصا في القاعة اذا كانت مقفلة أو 70 إذا كانت مفتوحة”.

وهذا الواقع الاقتصادي الصعب الذي أدى إلى إلغاء الأعراس أو تأجيلها انعكس بشكل أساسي على الشركات والعاملين في هذا القطاع وكل ما يتصل به، وهم الذين كانوا يعولون عليهم كموسم أساسي وينتظرونه كل عام بفارغ الصبر.

يقول فهد، وهو كوافير نسائي في إحدى المناطق اللبنانية: “أعمل في هذه المهنة منذ 10 سنوات، هذا العام هو الأسوأ بالنسبة لي. حتى مارس (آذار) الماضي كان هناك 22 عرسا في رزنامتي لصيف 2020، وكانت التوقعات تشير إلى إمكانية مضاعفة العدد، لكن مع التعبئة العامة نتيجة كورونا وارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنوني ألغي 18 عرسا، ومن لم يلغ عرسه سيحتفل بزواجه في احتفال صغير”.

سامر مطر، صاحب إحدى المؤسسات التي تنظم الأعراس في لبنان يقول: “يمكن القول إن نسبة الأعراس هذا العام تراجعت 90% مقارنة مع العام الماضي، فمعظم من حجزوا حفلات ألغوا وسيتزوجون من دون حفلات أو أجّلوه للعام المقبل، علما بأن الذين لم يتراجعوا عن قرارهم هم في معظمهم من المغتربين الذين لم يتأثروا كثيرا بالأزمة الاقتصادية انطلاقا بانهم يقبضون بالعملة الأجنبية”.

ويوضح مطر “الأسباب عدة لكن أهمها ارتفاع سعر صرف الدولار الذي انعكس سلبا على الشباب وانعكس على كل ما يريدون شراءه أضعافا، ومن يملك بعض المال جمّدت في المصارف وباتوا غير قادرين على سحبها”.

وبينما حجوزات الأعراس في موسم الصيف تبدأ تقريبا من بداية يونيو (تموز) يلفت مطر إلى أن بعض من كان حدد موعد عرسه خلال فترة التعبئة العامة لم يقدم على إلغائها انما اكتفى بحضور عدد محدود من عائلة العروسين، مدركين إن التأجيل قد يؤدي لتكاليف مضاعفة.

ورغم أن الشبان والشابات اللبنانيين فضلوا تأجيل أو إلغاء الأعراس، لكن يقول سامي “بالنسبة لي كمنظم لأعراس ليس من مصلحتي الخسارة وبالتالي أحاول عدم رفع الأسعار على الزبائن، او الاكتفاء بالربح القليل، إنما حتى هذا القليل بات صعبا على الكثير من الشباب الذين خسر عدد كبير منهم وظائفهم”.

ويتابع: “ربما أتمكن من التحكم بهذا الموضوع والحفاظ على السعر السابق فيما يتعلق بإيجار صالة الأعراس وفرقة الزفة لكن المشكلة الأكبر تكمن اليوم في العشاء ولائحة الطعام التي تقدم بحيث ارتفعت 3 مرات، وهذا ما انعكس سلبا على تكلفة العرس بشكل عام، فالحفل الذي كان يكلف 20 ألف دولار (30 مليون ليرة لبنانية وفق سعر الصرف السابق) بات يكلف اليوم حوالي 80 أو 90 مليون ليرة، ومن يقبض راتبه بالليرة اللبنانية لا يمكن أن يتحمل هذه الكلفة.

العين – كارول صباغ – بيروت