البترون.. مدينة شاطئية لبنانية محصّنة ضد الانهيار الاقتصادي (التلغراف)

كتبت صحيفة صنداي تلغراف: عندما زار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر، أوليفييه دي شاتر، طرابلس؛ ثانية مدن لبنان، في مهمة لتقصّي الحقائق، التقى بامرأة أخبرته أن وضعها سيئ للغاية، وأنها تمنت لو كانت حيواناً. وعلى بعد 30 دقيقة بالسيارة جنوباً، على الطريق الساحلي، كان عمال المقاهي والمطاعم، في مدينة البترون الشاطئية المزدهرة، يُعِدون مشروباً خاصاً، تحسّباً لعطلة نهاية أسبوع مزدحمة.

وقال المقرر الخاص، أوليفييه دي شاتر، للصحافيين في بيروت، الأسبوع الماضي، أثناء عرضه النتائج التي توصل إليها في واحد من أسوأ الانهيارات الاقتصادية منذ الثورة الصناعية، إن «لبنان من أكثر البلدان انعداماً للمساواة على وجه الأرض»، متابعاً «نحو 10% من السكان يمتلكون 70% من إجمالي الثروة».

وبلغ معدل الفقر متعدد الأبعاد، في لبنان – نسبة الأشخاص غير القادرين على تحمل كلفة خدمة أساسية واحدة على الأقل – 82%، هذا الصيف. ولكن بالنسبة لمن لديهم المال، فإن الحفلات لم تتوقف في البترون، وهي بلدة ساحلية خلابة مشهورة بمباني الحجر الرملي، وتتمتع بواحد من أكثر المواسم ازدحاماً على الإطلاق، باعتبارها ملاذاً محلياً شهيراً، من العاصمة الكئيبة الآن. وتمتلئ الحانات والمطاعم بحشود من الشباب لتناول وجبات الإفطار الأنيقة.

مع وقوف اللبنانيين بأماكن أخرى في طوابير لساعات، في محطات البنزين، بسبب أزمة الوقود في جميع أنحاء البلاد، يزدحم شاطئ البترون بالدراجات المائية (جيت سكي). وربما يكون الأمر الأكثر وضوحاً في بلد يعاني انقطاع التيار الكهربائي اللامتناهي في جميع أنحاء البلاد، استمرار مولدات البترون في العمل، وتوافر الكهرباء في المدينة على مدار 24 ساعة.

والمدينة هي موطن لواحد من السياسيين الأكثر إثارة للجدل في لبنان. والأمر يتعلق بجبران باسيل، وهو شخصية مستقطبة، وحسب من تسأله في لبنان، إما أن يكون مسؤولاً عن الحفاظ على المدينة كجزيرة للنجاح وسط الانهيار، أو هو أحد المهندسين الرئيسين في سقوط لبنان.

والشاب البالغ من العمر 51 عاماً هو أحد أشهر أبناء البترون؛ بالإضافة إلى أنه يمثل المنطقة في البرلمان. وهو، أيضاً، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس أكبر كتلة مسيحية في لبنان (التيار الوطني الحر)، وهو حريص على إبراز دوره في نجاح المدينة.

وقال لصحيفة «صنداي تلغراف» من منزل عائلته في وسط البترون: «عملنا على تزويد البترون بالديزل حتى لا تتوقف المولدات الخاصة».

متابعاً «لطالما فكرت في تحويل البترون إلى شيء كهذا»، مشيراً إلى منزله المرمّم بشكل جميل بالحجر الرملي، وهو مبنى يعود تاريخه إلى قرنين أو أكثر، وكان ملكاً لجدّه. ويقول المهندس المدني الذي تحول إلى مطور عقارات: «عندما ترشحت في الانتخابات عام 2005، بدأت في مشروعات تنموية».

ويضيف «لقد أنجزت كل البنية التحتية للمدينة، من كهرباء، ومياه، وصرف صحي، وكل شيء؛ إضافة إلى الطرق؛ ثم بدأنا في تجديد المدينة ككل، وهكذا بدأ المكان يصبح أكثر ازدحاماً». ولم ينجح باسيل في محاولته البرلمانية، لعام 2005، لكن منصبه كرئيس للتيار الوطني الحر ضمن له مناصب كوزير للاتصالات في 2009، ووزير للطاقة من 2009 إلى 2014، ووزير للخارجية من 2014 إلى 2020.

علاقة خاصة

ويمتلك السياسي اللبناني علاقة مع الرئيس اللبناني، وينظر إليه البعض على أنه القوة الحقيقية وراء الزعيم البالغ من العمر 88 عاماً، والذي يقال إن باسيل يطمع في منصبه. ويقدم التشخيص نفسه لمشكلات لبنان، مثل العديد من السياسيين في البلاد؛ بأن الفساد وسوء الإدارة هما السبب في الأزمة، والشركة الجارية مستبعدة، قائلاً: «السياسيون في هذا البلد لا يؤمنون بالتنمية، بل يؤمنون بالمحسوبية، والمواطنون هم زبائن بالنسبة إليهم، فهم ليسوا أصحاب حقوق لهم الحق في الخدمات، لذا فهم يأتون إلى أحدهم ويطلبون الخدمات، وهو يقوم بذلك على المستوى الشخصي».

وبواسطة سيارة داكنة وعربة أخرى خلفه، محمّلة بحراس موشومين، يتنقل باسيل في الشوارع المرصوفة بالحصى بسرعة 20 ميلاً في الساعة، مشيراً إلى مشروعات التطوير التي يشارك فيها؛ «هذا هو أفضل ما أفعله حقاً في الحياة»، واصفاً حبه للتطور. ثم بعد ذلك، يضيف «أنا سياسي جيد أيضاً».

وتعرّض باسيل لانتقادات بسبب فرط نشاطه وحبه للأداء وقلة الجدية. وكثيراً ما تتوقف جولته لتحية أنصاره وتقبيل الأطفال. وقال منير صفير، وهو شاب أوقف باسيل لالتقاط صورة تذكارية: «هذا رجل طيب للغاية»، مضيفاً «إنه صادق ويعمل بجد لصالح الوطن».

لكن ليس كل مواطن لبناني يوافق على ذلك، وبالنسبة لحركة الاحتجاج، لعام 2019، التي انتقدت عقوداً من سوء الإدارة الاقتصادية، أصبح باسيل رمز السياسي اللبناني الفاسد الذي يخدم نفسه، وأصبح هتاف يهينه نشيداً للمتظاهرين.

وانتشر مقطع فيديو، خلال الصيف، عن مواجهة بين شابة لبنانية وحراس باسيل الشخصيين، بعد أن واجهته في أحد مطاعم البترون. وشتمته ياسمين المصري بلغة محلية فظة، قبل أن يدفعها مرافقوه الأمنيون بعيداً وينتزعون هاتفها.

سجل بائس

وينتقد معارضو باسيل تحالف حزبه مع «حزب الله»، لتمكين المجموعة الخاضعة للعقوبات من زيادة نفوذها في لبنان. وهم يشيرون إلى الوعود التي لم يتم الوفاء بها، والتي قدمها باسيل لتزويده بالطاقة على مدار 24 ساعة عندما كان وزيراً، وفشله في إصلاح قطاع أصبح في نهاية المطاف مسؤولاً عما يقرب من نصف الدين العام للبنان. وتم انتقاد مشروعات السدود باعتبارها مكلفة وغير فاعلة، بينما ذهبت عقود البناء إلى شركائه. ويقول المحلل اللبناني، بشار الحلبي، إن «سجل جبران باسيل في كل وزارة شغلها هو سجل بائس». وكان باسيل يقود سيارته، في البترون، عندما أخبره مساعده أن الجزء الأخير من العقوبات الأميركية، على لبنان، قد استهدف داني خوري، وهو المقاول في مشروعات سد باسيل، المثيرة للجدل.

تعرّض السياسي اللبناني للعقوبات، في العام الماضي، إذ اتهمته وزارة الخزانة الأميركية بتعزيز «قاعدته السياسية من خلال تعيين أصدقاء في مناصب، وشراء أشكال أخرى من النفوذ داخل الأوساط السياسية اللبنانية». وقالت إنه كوزير للطاقة، وافق على مشروعات «من شأنها أن توجه أموال الحكومة اللبنانية إلى أفراد مقربين منه، من خلال مجموعة من الشركات الوهمية».

• بينما يقف اللبنانيون بأماكن أخرى في طوابير لساعات، في محطات البنزين، بسبب أزمة الوقود في جميع أنحاء البلاد؛ يزدحم شاطئ البترون بالدراجات المائية.

• %10 من السكّان يمتلكون 70% من إجمالي الثروة في لبنان.

• %82 معدل الفقر في لبنان خلال الصيف الماضي.