البترون هي مدينة ساحلية تقع في شمال لبنان على بعد خمسين كيلومتر شمال العاصمة بيروت وعلى بعد ثلاثين كيلومتر غرب مدينة طرابلس، وتعتبر البترون واحدة من أقدم المدن في العالم التي يعود تاريخ استيطان البشر فيها إلى خمسة آلاف سنة في الماضي.
كانت البترون في وقت مضى واحدة من أهم المدن الفينيقية في المنطقة، وتم اشتقاق اسم «البترون» من الكلمة اليونانية Botrys (بوتريس) التي تم إدراجها لاحقا في اللاتينية تحت لفظة (بطرس).
يعتقد الكثير من المؤرخين أن اسم المدينة الإغريقي تم اشتقاقه من الكلمة الفينيقية (باتر) والتي تعني «يقطع» وهي استعملت للإشارة إلى الجدار البحري الذي بناه الفينيقيون قديماً في البحر من أجل حمايتهم من أمواج المد العالية، وهو الجدار الذي مازال منتصبا وصامدا حتى يومنا هذا.
يعتقد مؤرخون آخرون أن اسم المدينة اشتق من الكلمتين الفينيقيتين «بيت ترونا» والتي تعني ”بيت الزعيم“.
معظم سكان مدينة البترون من الطائفة المسيحية المارونية، والملكية والأرثوذكسية اليونانية والمسلمين، ويرجح الكثيرون أن تكون مدينة البترون هي ما أشير إليه باسم «بترونا» في رسائل الـ(آمارنا) التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وقد جاء على ذكرها الباحثون الجغرافيون القدماء مثل (سترابو) و(بليني) و(بتولمي) و(ستيفانوس بيزانتيوس) و(هيروكليس)، كما أطلق عليها (ثيوفانز) اسم (بوستريس).
قام الفينيقيون بتأسيس مدينة البترون على الجهة الجنوبية للشنخة [النتوء الصخري على الشاطئ] الذي عرف في القدم باسم (ثيوبروسوبون) وخلال زمن الإمبراطورية البيزنطية باسم (رأس ليثوبروسوبون)، ويقال أن مؤسس البترون هو «إيطوبعل الأول» ملك «صور» الذي تزوجت ابنته (جيزابيل) [897-866 قبل الميلاد] بالملك (آهاب).
خضعت المدينة للحكم الروماني وعرفت باسم مقاطعة (فينيسيا بريما) منذ سنة 64 قبل الميلاد، ولاحقا عندما تحولت الإمبراطورية الرومانية إلى الديانة المسيحية؛ أصبحت البترون أسقفية مساعدة لأبرشية أنطاكية.
كانت المدينة موطنا لثلاثة من الأساقفة الأرثوذكسيين المشهورين وهم (بورفيريوس) في سنة 451 ميلادي، و(إلياس) حوالي سنة 512، و(ستيفن) في سنة 553. في القرن العاشر للميلاد؛ غزا المسلمون المدينة، التي كانت تعرف آنذاك باسم (بيترونيون)، وقاموا بتعريب اسمها إلى «البترون» مثلما هي معروفة اليوم.
واحد من المواقع الأثرية من العصور الوسطى في المدينة هي «القلعة الصليبية» في «مسيلحة» التي شيدت فوق صخرة هائلة معزولة ذات جوانب شديدة الانحدار تبرز في وسط سهل تحيط به الجبال.
في سنة 551 ميلادي ضرب زلزال مدينة البترون ودمرها، كما تسبب كذلك في انزلاق التربة وجعل من (رأس ليثوبروسوبون) يتصدع، مما جعل المؤرخين يعتقدون أن أكبر ميناء طبيعي في البترون تشكل بفعل هذا الزلزال.
كان الجدار البحري الذي اشتهرت به المدينة عبارة عن تركيبة طبيعية تتكون من الكثبان الرملية المتحجرة، والتي قام الفينيقيون لاحقا بتدعيمها وتقويتها باستعمال الصخور، واستمروا في ذلك إلى أن اتخذت الشكل الذي تبدو عليه اليوم وذلك في القرن الأول قبل الميلاد.
يمتد هذا الجدار التاريخي على طول 225 متراً وهو بسماكة متر إلى متر ونصف، وعلى الرغم من أن أقساماً عديدة منه تهدمت فإن معظمه مازال منتصبا صامدا في وجه الزمن في حوض البترون، وهو ما تنصح الكثير من المواقع السياحية بزيارته من أجل رؤية قطعة من التاريخ اللبناني القديم.
«سور البحر» في البترون.
تعتبر مدينة البترون مقصدا سياحيا كبيرا في شمال لبنان، حيث إلى جانب الجدار البحري التاريخي تزخر هذه المدينة الشمالية بالكنائس الرومانية الكاثوليكية واليونانية الأرثوذكسية التاريخية، كما تعتبر المدينة كذلك منتجعا بحريا من الطراز الأول، وذلك لأنها تزخر بواحد من أنظف الشواطئ الصخرية والرملية في لبنان، مع احتوائها على حياة ليلية نابضة بالحياة، تتضمن الحانات والملاهي الليلية.
تحيط بمدينة البترون بساتين ثمار الحمضيات، كما أنها مشهورة –من أوائل القرن العشرين– بليموناضتها الطازجة والمنعشة التي تباع في الكافيتيريات والمطاعم والمقاهي في شارعها الرئيسي. يعتبر كذلك ركوب الدراجات الهوائية على طول الشريط الساحلي للبترون من النشاطات الرئيسية الشائعة هناك خاصة في أواخر أيام الصيف.
في سنة 2009، خرج إلى العالم «مهرجان البترون الدولي»، الذي بدأ يستضيف فنانين محليين ودوليين، والذي يقام عادة في شهر يوليو أو أغسطس من كل سنة في منطقة الميناء القديم.