استضاف الدكتور نزار يونس وعقيلته السيدة جانيت عبيد يونس، اللقاء السنوي ل”الباقة اليونسية”، على مائدة غداء في دارتهما في شاتين – تنورين.وخصص اللقاء لتكريم ذكرى النائب السابق الراحل الدكتور منوال يونس وعدد من ابناء العائلة المبدعين الفنانين هيام يونس ، نوال يونس ، جنفياف يونس وروي يونس.
بداية النشيد الوطني ثم نشيد تنورين، وقدمت الحفل الاعلامية آية يونس فتحدثت عن مسيرة الراحل وانجازاته. كما تناولت الاسهامات التي ميزت المكرمين الآخرين.
حبيب يونس
والقى الشاعر حبيب يونس قصيدة للمناسبة بعنوان “عرش تنورين “. فاستعرض رحلة المكرم طوال 65 سنة من لبنان الى المغترب ومن ثم العودة الى بلده مفكرا وكاتبا وناشطا سياسيا وحقوقيا(…) “فمن هذه الأرض انبثق نورا سطع في جهات الأرض الأربع، علما مرجعا، ورجل رؤية وطموح، وحكاية نجاح وعطاء، وأجمل ما يكرَّم به الإنسان، إلى ما نكنه له من محبة وتقدير، هو أن نعدِّد ما أتى به عقله، وما صنعته يداه، وما خلَّفه من إرث حضاري بفيد الانسان في كل زمان ومكان، ويفيد لبنان والعالم”.
نزار يونس
ثم تحدث صاحب الضيافة الدكتور نزار يونس، وقال : ” أي كلام عن الدكتور منوال، وعما كرس من أجله، قلبه وعقله يبقى قاصرا عن ولوج حديقته النضرة، وعن الغوص في بحار المرجان واللؤلؤ ، وديعته الغالية للعائلة ولاجيالها الطالعة ولاطفالها، وللذين لم يولدوا بعد.
أضاف:”في نهاية الخمسينيات عاد الى تنورين من المغترب شاب، نقي بهي،عفيف أنوف، متمرس بآداب حياة وملتزم بنظام قيم صارم ، عاد حاملا في قلبه وعلى منكبيه أحلام وآمال جيل كامل في بحثه المضني عن الحرية والكرامة وتحقيق الذات ، وكنت أنا من هذا الجيل. قيض لي في تلك الحقبة المفصلية من تاريخنا أن أقود الحركة الطالبية في الجامعات ، وان أنتخب سنة 1960 كاول رئيس للاتحاد الوطني للطلاب الجامعيين الذي تأسس لتفعيل دور الشباب الجامعي في العمل الوطني”.
وتابع:” من دون موعد سابق، جمعت الاقدار مصائرنا، اذ وجدنا كل ما نصبو اليه في المشروع السياسي الذي كان الدكتور منوال يونسالعائد من الغربتين، فيلسوفه ومنظره، في سعيه لتجسيده في أول طرح علمي لانشاء حزب تقدمي وطني عابر للطوائف والمناطق ولمكونات الاجتماع الوطني ، أعني بذك حزب “حركة التقدم الوطني.كان لي ولأقراني أن نجد في فكر الدكتور منوال زادا وخمرا وأطايب ، وأول مقاربة رؤيوية لقيام الدولة العصرية المحققة الراعية لكرامة الانسان وحريته والحامية لحرمات الوطن”.
وقال:”كان هذا الفكر يجسد، بالنسبة لنا على الاقل، تطلعات الرئيس فؤاد شهاب المعبر عنها بشكل واقعي ومنهجي، وكنا على قناعة بكونه المؤتمن من قبل الرئيس على صيرورة الانتقال من المزرعة الى الوطن”. في كل مرة أستعيد ذكريات تلك الايام ، أراني مع الرفاق من الشباب ، نتوافد الى دارته ، جماعة تلو جماعة ، لنستمع ولنناقش ونتعلم ، ولنحلم بدولة حداثة وثقافة ورغد مؤهلة لتجسيد وتحرير قدرات شعبنا المميز”.
واستطرد الدكتور يونس: “لقد كان هذا الحاضر اليوم بين عائلته، المعلم والملهم لجيل الشباب الذي كنت أنتمي اليه ، وكان بدوره على قناعة راسخة باهمية دور الشباب وموقعه في أي حراك من أجل التغيير السلمي الديمقراطي . كان الدكتور منوال يعول على حراك المجتمع المدني كوسيلة لا بد منها لحماية مسيرة التطور الاجتماعي والسياسي من جشع وشراسة المتضررين. ما زلت على قناعة بانه لم يكن لرهاننا على مشروع الدكتور منوال أن يفشل لولا ذلك الحدث الملعون الذي عطل تلك المسيرة المباركة، وشتت صفوفها في ذروة تألق فكر الدكتور منوال، وانطلاق حزب “حركة التقدم الوطني”.
وأضاف:”في اليوم الاخير من العام 1961 قام الحزب السوري القومي الاجتماعي بمحاولة انقلاب ، ما زالت ظروف الاقدام عليها ملتبسة، حتى لدى القوميين أنفسهم.أدت المحاولة البائسة الى عسكرة النظام ، والى مضاعفات أقلها انفصام لدى الكثيرين ، ولدي بشكل خاص ، بين الولاء للرئيس المؤسس وبين النفور من استيلاء المؤسسة العسكرية باسمه على السلطة.لم يكن لدي خيار آخر سوى الرحيل الى فرنسا حاملا خيبتي وانكفاء احلامي .عند عودتي الى لبنان في نهاية عهد الرئيس شهاب ، بقي الدكتور منوال بالنسبة لي وللكثير سواي ، الملهم والمعلم ، واستمر الرهان على مشروعه وعلى أملنا في توليه رئاسة الجمهورية . على الرغم من تباين في وجهات نظرنا ، فقد استمر الرهان ، كنت لجوجا ملحا عجولا ، وكان مدركا حكيما متأنيا”.
واردف قائلا:”بعد عزوفه في العام 1996 عن خوض الاستحقاق الانتخابي النيابي، قررت في العام 2000 السير في تجربتي الخاصة في العمل الوطني الملتزم ، وقد قادتني هذه التجربة ، على الرغم من فرادتها وما حققته،الى فهم أدق للدوافع التي أملت على الدكتور منوال سلوكه الرزين ، فقررت بدوري في العام 2005 العزوف دون رجعة عن المشاركة في هزلية الانتخابات في ظل نظام المحاصصة الطائفي الهزيل والقروي الفاسد في نهاية هذه الكلمة ، التي لم يكن لها ان تتسع لميدان الدكتور منوال الفكري الفسيح، ولا لتاريخه النضالي من أجل لبنان الارض والانسان. لا يسعني اغفال دوره التأسيسي في مشروع مركز علوم الانسان الذي اطلقته منظمة الاونيسكو لابراز رسالة لبنان وموقعه في فلسفة العيش معا، التي ناضل من اجل تحقيقها منوال يونس سحابة عمره ، لينطلق المشروع عشية اندلاع الفتنة عام 1975 . كادت الازمنة السفيهة ان تقضي على هذا الحلم الذي كان وعدا ليس للبنان فقط بل للعالم . ولا بد من التنويه امامكم بالجهد الاستثنائي الذي بذله نسيبكم الدكتور سايد على مختلف الاصعدة للحفاظ على رعاية منظمة الاونيسكو للمركز القائم في بيبلوس ، وعلى استدامته ، وما كان لهذا المركز ان يستعاد لولا رعاية النبيل الكريمة الذي أعاد تجهيزه واستجاب لحاجاته ومتطلبات ادارته الجديدة حفاظا على حلم أبيه الدكتور منوال ووعده الذي بات عهدا “.
نجل المكرم
وألقى نبيل منوال يونس نجل المكرم كلمة الختام فقال:” يوم بدأ رحلة الالف ميل . لم تكن الرحلة طويلة لانها تصل الى مجلس النواب أو الى مراكز أخرى ، كانت الرحلة طويلة وصعبة، أولا، لانها امتازت باخلاقية مطلقة في حقل تنتفي فيه الاخلاق ، وثانيا، لان الرحلة كانت كمن يبحر عكس الموج والرياح وكمن يسبح عكس التيار وكمن يتسلق جبلا شاهقا بانحدار قوي . لقد نتجت الصعوبة من أنه منذ الاستقلال وحتى احداث 1975 تحكمت بسياسة لبنان الشمالي قاعدة لا يشذ عنها اذ ان السياسة كانت محفوظة لعائلات الزعامات السياسية من دون سواها . نعم كانت السياسة كالاديان المغلقة التي لا يدخلها الا من ولد فيها ، ولم يدخل النادي السياسي في لبنان الشمالي بين 1945 و1975 الا من ولد من رحم عائلات الزعماء.غير أن منوال ابن جرجس خطار ، قرر تحدي التاريخ وكسر القاعدة التي كانت قد كرستها ثقافة الزعامة ، فبدأت الرحلة ، وسار منوال محاطا بعائلته وببعض عائلات تنورين على طريق وعرة طويلة صادفت الرصاص احيانا والمكائد احيانا اخرى.
وأضاف: سرتم أنتم، او سار آباؤكم وامهاتكم مناصرين منوال بتلك الرحلة التي دامت نصف قرن (…) ان اجمل ما في تلك المناصرة هو انها ناتجة عن محبة وتقدير وليس عن ولاء لشرعية زعامة تاريخية. لقد توصلنا الى تحطيم القاعدة التاريخية على الرغم من قدسيتها، تاركين التاريخ مصدوما.. وبحيرة من التحولات الحاصلة على أفق القيادة وشروطها. ولان الشيء بالشيء يذكر، ولان الطيور على اشكالها تقع، ولان رجال الانجازات تعرف وتقدر بعضها البعض ، قرر صديقي الدكتور نزار وهو رجل الفكر والانجازات ، ان يستذكر اليوم منوال مكرما”.
دروع تقديرية
وفي الختام قدم الدكتور نزار يونس وعقيلته ووجوه من العائلة الدروع التقديرية للمكرمين.