منتصف القرن الماضي يوم كانت الدولة اللبنانية في عزّها، تحوّل المجتمع اللبناني الى الوظيفة، ليصبح المعاش الشهري ملاذاً آمناً من العوذ والفقر.
وطبعاً للحصول على وظيفة جيدة، إتّجهت العائلات اللبنانية الى العِلم، فالشهادة هي الطريق الأكيد للحصول على وظيفة حرزانة.
كانت أم طنوس تأكل “همّ إبنها البِكر بالصحن”، كما يقال، فهو لا شهادة ولا وظيفة ولا من يحزنون، وحتى “يكتمل النقل بالزعرور”، فطنوس كسول، لا يعمل بالأرض لأنه يكره المعول وينهزّ بدنه من الرفش.
جاءت الإنتخابات النيابية تلك السنة، فكان هناك من الجيران مَن نَصح أم طنوس بزيارة مرشح “إيده طايلة” بالدولة.
ذات صباح حملت هداياها من التين المطبوخ، الكشك وشوية لوز، ولأن الإنتخابات على الأبواب إستقبلها صاحبنا المرشح إستقبال الملوك، كيف لا وهي من عائلة كبيرة يمكنها ان تسقط او توصل إي مرشح الى جنّة البرلمان.
كان طلبها واحدٌ أحد، “وظيفة لطنوس”، بخجل طلَبتها من الزعيم العتيد، لأن ولدها لا يعرف لا الكتابة ولا القراءة، صَدْمتها كانت كبيرة عندما بشّرها المرشح بأن طنوس سيصبح أستاذاً في الملاك.. ولكن خبرة أم طنوس بالحياة جعلتها تخبر وتذكّر المرشح بأن طنوس لا يقرأ ولا يكتب، فكيف به يَعْبر إمتحان اللجنة الفاحصة؟ فما كان من المرشح الّا إرضاء أم طنوس وطنوس والعائلة وكل الربع، فأجابها مبشّراً، بأن طنوس سيكون عضواً فعالاً في اللجنة الفاحصة، فكان لها ما أرادت ومبروكة هي الوظيفة.
أخبرتُ هذه القصة بعد أن أخبرنا أمس “بدري ضاهر” مدير عام الجمارك بأنه سيكون في لجنة التحقيق بإنفجار مرفأ بيروت.
هي القوة في عهد الأقوياء.. !
ميشال الزبيدي – بترون نيوز