تفاقم الأزمة في لبنان ينذر بصيف ساخن

تحذّر دوائر سياسية لبنانية من مغبة الإقدام على المساس بالاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان المركزي وتداعياته السلبية على أموال المودعين في بلد يعاني من أزمة اقتصادية واسعة النطاق وتعثر متواصل في تشكيل حكومة جديدة.

وتتزامن تلك التحذيرات مع تفاقم أزمة المحروقات وتأثيراتها على قطاعات حيوية كالمستشفيات والأفران، إضافة إلى اتساع دائرة الغضب الشعبي على القرارات الحكومية الأخيرة.

وقال سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية إن “رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير المالية وحاكم مصرف لبنان، يتحملون مسؤولية القضاء على ما تبقى من أموال المودعين”.وأوضح جعجع في تغريدة عبر حسابه على تويتر “لقد بدأ المس بالاحتياطي الإلزامي”، وأنه “سيفعل المستحيل لمحاولة ردعهم عن ذلك”.

وذلك في إشارة إلى قرار حاكم مصرف لبنان، عسان سلامة، تسديد ودائع العملاء بالعملات الأجنبية تدريجيا، وذلك بالنسبة للحسابات المفتوحة قبل يوم 30 أكتوبر 2019 على دفعات، حيث يحق لكل مودع سحب 400 دولار أميركي شهريا نقدا أو عبر تحويل إلى الخارج أو بواسطة البطاقات المصرفية أو إيداعه في حساب جديد على ألا يتجاوز مجموع ما يمكن سحبه من البنك سنويا 4800 دولار أميركي.

ويرى محللون في قرار المصرف المركزي تهديدا لأموال اللبنانيين الذين دفعتهم الأوضاع الاقتصادية والسياسية إلى حافة الفقر.

وفقد اللبنانيون ثقتهم في السلطة بعدما لجأت المصارف منذ أواخر 2019 إلى تجميد وصول العملاء إلى ودائعهم بالعملات الأجنبية، وفرضت قيودا على السحوبات بالليرة اللبنانية، في خطوة رفضها اللبنانيون واحتجوا ضدها.

وأثار هذا القرار عضب القاضي اللبناني شادي قردوحي الذي تساءل “هل يقبل عقل أو منطق أنت المودع أن تقبض 400 دولار شهرياً (وأنت الدائن) بينما صاحب المصرف (المدين) يتنعم وعائلته بأموالك ولا يقبل بال 400 دولار ثمناً لوجبة غذاء؟”.

والاحتياطي الإلزامي مبلغ متغير من حيث القيمة، ويمثّل 15 في المئة من إجمالي النقد الأجنبي لدى المصارف ويحفظ لدى المركزي، ويستخدم في حالات الطوارئ.

وجراء أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، يعاني لبنان انهيارا ماليا وشحا في النقد المخصص للاستيراد المواد الأساسية، كالوقود والأدوية، ما تسبب بقلتها في الأسواق.

وتزيد من تداعيات هذه الأزمة، خلافات سياسية تحول دون تشكيل حكومة لتخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت في 10 أغسطس 2020، بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ بيروت.

وارتفعت نسبة الفقر في لبنان عام 2020 لتصل إلى 55 في المئة من السكان البالغ عددهم 7 ملايين نسمة، وفق لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا “إسكوا”، إلا أن التوقعات تشير إلى أن النسبة سترتفع أكثر في 2021، كما يتوقع أن تصل معدلات البطالة إلى 41.4 في المئة.

وبات المواطنون يقفون في طوابير طويلة لساعات، من أجل الحصول على حصة من البنزين أو إيجاد دواء مفقود من السوق أو يتم تداوله بأسعار باهظة.

ورأى عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب وائل أبوفاعور، أن “المواطن اللبناني سئم وسئمنا معه كل هذا الصراع الحالي حول الصلاحيات وكل هذا الجدل حول الأعراف، وكل هذا النقاش الممجوج حول وحدة المعايير، وكل هذه المعادلات الرقمية والحسابية التي يجري النقاش حولها في الحكومات. المواطن يريد حكومة ويريد أن يأكل ويشرب ويريد دواء وبنزين”.

وأوضح أبوفاعور أنه “إذا كان البعض لا يرى أننا أصبحنا على أبواب انفجار اجتماعي واضطراب أهلي بين اللبنانيين قد لا يبقي ولا يذري، فاسمعوا الأخبار كل لحظة هناك مشكلة في محل وقتيل في محل أخر أو جريح أو خلاف هنا وهناك وعلى محطة البنزين وفي الصيدلية مشكلة وفي المستشفى أيضاً، فعندما ندخل بصدام أهلي وتنهار مؤسسات الدولة ساعتها نبدأ من جديد بكل هذا النقاش، لذا نأمل أن يتم الإصغاء إلى دعوة وليد جنبلاط في التسوية، لأن التسوية مهما كانت الأثمان تبقى أقل كلفة على اللبنانيين من هذا الاستعصاء الحالي، ومن هذه الاستحالة ومن هذا القهر والذل الذي يعيشه المواطن اللبناني”.

وخلال الأسبوع الجاري، أقرت الحكومة اللبنانية زيادة جديدة بسعر الوقود بنسبة 15 في المئة، وهي الزيادة الثانية إثر زيادة أولى رفع بموجبها سعر الوقود بنحو 35 في المئة.

وكتبت صحيفة الأنباء الإلكترونية تقول إنه “بعد ثلاثة أيام على الزيادة الخيالية لأسعار المحروقات والوعود بإغراق السوق بمادتي البنزين والمازوت، يبقى مشهد طوابير السيارات أمام محطات المحروقات على حاله لأن معابر التهريب مفتوحة في الاتجاهين، والسلطات المعنية بهذه الأزمة تعيش بمنأى عن هذا الأمر وكأنه ليس من صلاحياتها اتخاذ الاجراءات اللازمة لضبط الحدود ووضع حد لهذا الاستنزاف لأموال اللبنانيين، الأمر الذي يبقي أبواب الأزمة مفتوحة وكذلك معاناة الناس التي ستطول أكثر فأكثر في ظل فلتان الأسعار والاستمرار بارتفاع سعر الدولار”.

ونتيجة لهذه الزيادات ازدادت في الآونة الأخيرة الإشكالات بين الناس على محطات الوقود ما دفع ببعض أصحابها إلى مناشدة القوى الأمنية للتدخل من أجل ضبط الوضع وعدم فقدان السيطرة.

ووجدت سفيرة كندا لدى بيروت شانتال تشاستيناي، نفسها السبت، عالقة في زحمة الانتظار على إحدى محطات الوقود، لتقرر إثر ذلك نشر صورة عبر حسابها على تويتر، تظهر لحظة انتظارها في “طابور” طويل من السيارات للحصول على الوقود.

وأرفقت تشاستيناي، الصورة بتعليق عن صعوبة الحصول على الوقود، حيث قالت إن “محطة وقود أخيرا في الأفق! الانتظار في الطابور بصبر مثل الجميع”.

وأضافت في تعليقها “ماذا تفعلون صباح السبت الجميل؟”.

ويطلق اللبنانيون عبارة “طوابير الذلّ” على مشهد الاصطفاف بالسيارات على المحطات والانتظار ساعات لتعبئة الوقود، وفي أحيان كثيرة لا يبلغون دورهم بسبب نفاد الكميات المتوفرة.

وتمتد تداعيات أزمة الوقود إلى قوت اللبنانيين، حيث حذر نقيب الأفران اللبناني علي إبراهيم عن إمكانية عدم وجود خبز الاثنين بسبب نفاد كميات المازوت الموجودة لدى الأفران.

وهذه المشكلات ليس الوحيدة في لبنان بل يقف البلد على أعتاب أزمة دواء، إذ حذرت نقابة مستوردي الأدوية اللبنانية، الأحد، من نفاذ مخزون مئات الأدوية، لتوقف استيرادها منذ أكثر من شهر، جراء عدم توفر النقد الأجنبي.

وأفادت النقابة في بيان، بـ”نفاذ مخزون الشركات المستوردة من مئات الأدوية الأساسية التي تعالج أمراضا مزمنة ومستعصية”.

وعادة، يؤمن مصرف لبنان الأموال اللازمة لدعم استيراد الأدوية من الخارج، إلا أن انخفاض احتياطي العملات الأجنبية لديه تسبب بنقص النقد الأجنبي المخصص للاستيراد.

ويدعم مصرف لبنان استيراد الأدوية تجنبا لعدم ارتفاع أسعارها، من خلال تغطية الفارق بين سعر الصرف الرسمي للدولار البالغ 1515 ليرة، وسعره في السوق الموازية الذي يبلغ نحو 17 ألف و500 ليرة.

هذا الخبر تفاقم الأزمة في لبنان ينذر بصيف ساخن ظهر أولاً في Cedar News.

Read More