ماذا تبقّى للبنانيين في بلادهم؟ حكومتهم تحكم عليهم بالجوع بغلاء المواد الضرورية للحياة وارتفاع نسبة البطالة في زمن تفشي وباء كورونا، حتى السجائر فهم غير قادرين على توفيرها لذلك عاد بعضهم إلى لفّ التبغ بيديه، كما يطالب المزارعون ببيع قسط من منتوج التنباك في السوق.
وسط شرفة منزله المطلّة على حقله المزروع بشتلات التبغ عند المدخل الشرقي لمدينة النبطية بجنوب لبنان ينشغل الستيني جمال غندور بلف السجائر الواحدة تلو الأخرى مستعينا بآلة لف قديمة ما زال يحتفظ بها عندما كان عمره 18 عاما.
وقال المزارع غندور بغضب بينما كان جالسا خلف طاولة خشبية عتيقة، “إن تردي الأوضاع الاقتصادية وتراجع قيمة العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي انعكسا سلبا على قطاع زراعة التبغ”.
وأشار في حديثه لوكالة الأنباء الصينية “شينخوا”، إلى أن “كلفة زراعة التبغ باتت تفوق مردودها نتيجة لارتفاع أجور الحراثة وأسعار الأسمدة والمبيدات والخيطان وأكياس الخيش التي نشتريها بالدولار، في حين تشتري إدارة حصر التبغ والتنباك الحكومية المحصول بالعملة المحلية”.
وأضاف أن “هذا الواقع المرير الذي وصل إليه مزارعو التبغ بجنوب لبنان دفع نسبة كبيرة منهم للتفتيش عن بدائل ترفع ولو بشكل محدود من مداخيلهم”.
وتابع “عدنا إلى إحياء سجائر اللف التي اندثرت منذ أكثر من 50 عاما، حيث بدأنا بلف التبغ بورق السجائر يدويا”.
وقال “نطالب الجهات المعنية في وزارة الزراعة وإدارة حصر التبغ بأن تشرّع للمزارعين قوانين لتصريف قسم محدود من إنتاجهم لما فيه مصلحة المزارعين والمستهلكين على حد سواء، حيث يزيد ذلك من دخل المزارع كما يخفض مصروف التدخين للمستهلك”.
وكانت سجائر اللف شائعة قبل خمسينات القرن الماضي حيث كان المدخن يلف سجائره يدويا أو مستعينا بعلبة نحاسية صغيرة الحجم تجمع بين التبغ المطحون وآلية لتحميل ورق السجائر بالتبغ لتخرج سيجارة ملفوفة بإتقان من فوهة صغيرة في غطاء العلبة العلوي.
أما الشاب الثلاثيني جلال الأحمد العامل في متجر للمواد الغذائية في مدينة النبطية براتب شهري لا يتجاوز مليون ليرة لبنانية (نحو 66 دولارا بحسب السوق السوداء)، فيقول إن تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع ثمن علبة السجائر أربعة أضعاف خلال عام دفعاه كما الكثيرين للبحث عن بديل رخيص بعدما فشل في محاولة الإقلاع عن التدخين عدة مرات.
وأضاف “مع تدخين سجائر اللف تمكنت من توفير حوالي 50 في المئة من مصروف التدخين”، مشيرا إلى أن سعر علبة سجائر اللف تصل إلى 3 آلاف و500 ليرة لبنانية (نحو 0.23 دولار) في حين أن ثمن علبة السجائر محلية الصنع يبلغ 6 آلاف ليرة لبنانية (حوالي 0.40 دولار) فيما يتجاوز ثمن علبة السجائر المستوردة 15 ألف ليرة (دولار واحد).
وأشار المزارع السبعيني فريد فحص، الذي يزرع التبغ منذ 40 عاما في بلدة كفر تبنيت الجنوبية، إلى أن مزارعي التبغ وجدوا في لف السجائر بالتبغ المحلي وبيعها فرصة سانحة لتصريف جانب من إنتاجهم.
ودعا الجهات المعنية للنظر بعين المسؤولية والرأفة إلى وضع مزارعي التبغ في ظل تردي الوضع المعيشي، حيث باتوا عاجزين عن تحمل أعباء زراعة التبغ التي تقلص مردودها بنسبة تصل إلى 90 في المئة.
وقال “لا نحبذ كمزارعين تصريف سجائر اللف بسرية وكتمان، بل نطالب بالسماح بتصريف جانب من إنتاجنا بشكل علني وقانوني وخارج عن أي ملاحقة، حتى نتمكن من تأمين دخل مقبول يسمح لنا بمواصلة هذه الزراعة التي باتت همّا كبيرا علينا”.
وتتم زراعة التبغ بموجب رخص تمنحها للمزارعين إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية كما ينص القانون على أن شراء محاصيل التبغ وتصنيعها وبيعها هو حق حصري للإدارة التي تتمتع أيضا بحصرية استيراد جميع منتجات التبغ وسلطة منح تراخيص بيعها.
ومن جهته قال المزارع جلال عبيد إن “العديد من مزارعي التبغ باتوا على قناعة بضرورة التخلي عن هذه الزراعة التي يشتغل فيها لعدة أشهر كافة أفراد العائلة لتأتي النتيجة محصول مخيّب للآمال”.
وأضاف “نحن لم نتنكّر يوما لإدارة حصر التبغ والتنباك التي نسلمها محصولنا دون تردد، لكن الوضع المعيشي بات يتطلب من الإدارة رفع تسعيرة شراء الكيلوغرام من المزارعين بما يتناسب مع انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي الذي تجاوز سقف 15 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد”.
وأوضح المزارع علي الحاج (55 عاما) أن المزارعين يلتزمون بقوانين زراعة التبغ لكنهم ومع انهيار العملة الوطنية يحاولون التعويض عن خسائر الفارق بين سعر بيع المحصول لإدارة حصر التبغ المقدر بحوالي 22 ألف ليرة لبنانية للكيلوغرام (حوالي دولار ونصف) في حين يصل سعر بيع الكيلوغرام المفروم بسيجارة اللف إلى حوالي 200 ألف ليرة لبنانية (ما يفوق 13 دولارا).
وقال “بدأنا اتصالات عبر مسؤولي تعاونيات مزارعي التبغ وجهات سياسية توخيا لوضع تشريع يجيز بيع جانب من إنتاجنا أو القيام برفع سعر شراء كيلوغرام التبغ من المزارع بما يزيل عنه الغبن، آملين أن نصل إلى نتيجة إيجابية تؤمن جانبا من حقوقنا”.
ويعاني مزارعو التبغ من أوضاع اجتماعية صعبة، وقال عضو تجمع مزارعي التبغ في الجنوب خالد دياب، إنه ينبغي ربط سعر شراء كيلوغرام التبغ بموازاة ارتفاع أو هبوط سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي، داعيا إلى إلحاق المزارعين بالضمان الاجتماعي وإعفائهم من الفوائد على القروض المستحقة للمصارف.
وأشار رئيس نقابة مزارعي التبغ في الجنوب حسن فقيه، إلى أن هناك اتجاها لرفع سعر شراء كيلوغرام التبغ من المزارعين في الموسم الحالي، لكنه أشار إلى أن أي تشريعات جديدة غير ممكنة في ظل حكومة تصريف الأعمال المستقيلة.
ويتراوح عدد العاملين في زراعة التبغ بجنوب لبنان بحسب المسؤول في إدارة حصر التبغ حسين سبليني بين 15 و16 ألف عائلة في حين أن المساحة المزروعة تصل إلى حدود 90 ألف دونم يتجاوز إنتاجها السنوي 5 ملايين كيلوغرام.
هذا الخبر لبنانيون يعودون إلى عادة لفّ سجائرهم بأياديهم.. مزارعو التبغ يطالبون بتصريف جزء من إنتاجهم بعيدا عن الإدارة المعنية ظهر أولاً في Cedar News.