انعكست الأزمات المتلاحقة التي يشهدها لبنان منذ نحو سنتين حتى اليوم، سلباً على المشهدية الفنية في لبنان. ورغم ذلك، فإنه تلحظ عودة بعض المراكز الثقافية والغاليرهات إلى الحياة بعد توقف طويل. فهي بدأت تنفض عن نفسها غبار فترة ركود قسرية، من خلال احتضانها معارض رسم ونحت… وغيرها. وكانت عوامل كثيرة قد أدّت إلى إصابتها بنوع من الشلل التام؛ بينها الوباء وانفجار بيروت، إضافة إلى أزمات أخرى، في مقدمها تردي الحالة الاقتصادية وانقطاع التيار الكهربائي والوقود.
أما المهرجانات الفنية التي كانت تقام في أكثر من مدينة وبلدة لبنانية، فتحرك مواسم الصيف فيها، وتجذب إليها المقيمين كما المغتربين والسياح العرب، فبقيت خارج دائرة العودة إلى حياتها الطبيعية. ويلعب عدم تأمين شروط عودتها في غياب رعاة لها ومن يتكفل بمساندتها مادياً، دوراً بارزاً في هذا الإطار. كما أن مسألة أسعار بطاقات الدخول إلى هذه المهرجانات، التي عادة ما يعول منظموها ربحهم المادي عليها، فمن غير الوارد تحديدها، في ظل تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار بشكل يومي وغير منتظم.
«مهرجانات أعياد بيروت» من النشاطات التي كان ينتظرها أهالي العاصمة في موسمها من كل عام. وعادة ما كانت تقام خلال أيام عيد الأضحى وتحييها أسماء لامعة في عالم الغناء اللبناني والعربي والأجنبي. وبسبب الأوضاع المتردية التي يشهدها لبنان، تقف هذه المهرجانات مكتوفة الأيدي غير قادرة على اتخاذ قرارها النهائي فيما يتعلق بعودتها أو العكس. ويقول أمين أبي ياغي صاحب شركة «ستار سيستم»؛ أحد المنظمين لهذه المهرجانات: «لم نستطع بعد اتخاذ قرارنا النهائي في هذا الصدد. ومنذ أيام قليلة بدأت التفكير في السبل التي قد تسمح لنا بإقامة ولو عدد حفلات قليل يعيد نبض المهرجانات إلى العاصمة». ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «عقبات كثيرة مع الأسف تقف حاجزاً بيننا وبين إقامة هذه المهرجانات. ورغم ذلك؛ فإنه بدأت في رسم صورة مبدئية لها، كمشاركة مطربين محليين أمثال إليسا ووائل كفوري وجوزيف عطية فيها. وكذلك لاقيت تشجيعاً من بعض الأصدقاء، الذين وعدوا بتقديم المساندة المادية المطلوبة. لن يمكننا استقدام فنانين أجانب بطبيعة الحال، نظراً لضرورة تعاملنا مع الأمر الواقع وبالليرة اللبنانية. كما أن هناك مصاريف تكلفة تركيب المعدات والمقاعد واستئجار المكان وما إلى هنالك من عوامل وحيثيات أخرى قد لا نستطيع تجاوزها. وعدا ذلك؛ فإن سعر صرف الدولار الذي تتهاوى الليرة اللبنانية أمامه بشكل كبير بين يوم وآخر، يجعلنا غير قادرين على وضع تسعيرة محددة لبطاقات الدخول».
وعن الأسعار التي يمكن أن تحملها هذه البطاقات حسب رأيه، يرد أبي ياغي في سياق حديثه: «لن تكون أقل من 300 ألف ليرة وتصل إلى مبالغ أكبر للبطاقات الأقرب إلى المسرح ومن فئة الـ(في آي بي) كما درجت العادة. ولكن كل ذلك لا يزال قيد الدرس، خصوصاً أن الأرضية اللبنانية ليست جاهزة بعد لهذا النوع من المهرجانات. فنحن نتريث في أخذ القرار المناسب على أمل أن تتبلور الأمور أكثر في الأيام المقبلة».
من ناحيتها؛ فإن «مهرجانات البترون الدولية» اتخذت قرارها، وهي تستعد لإحياء نشاطاتها، ولكن هذه المرة في غياب مطربين يحيونها. واكتفت بتنظيم مهرجان مصغر عن السنوات السابقة ينطلق في 16 يوليو (تموز) المقبل وينتهي في 5 سبتمبر (أيلول) المقبل. ويقول سايد فياض؛ المسؤول عن تنظيم هذه المهرجانات في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما أستطيع قوله، إننا بصدد التأكيد على أننا لن نستسلم مهما كلفنا الأمر. فصحيح أن فعاليات المهرجان سترتكز على نشاطات محلية، ولكنها بالتالي ستبقي (البترون) على خريطة لبنان الثقافة والفن. وبالتالي؛ فإن بلدتنا التي تعيش حالياً ذروة موسمها الصيفي، ستتزين بفعاليات المهرجان وتلون أمسيات وأيام اللبنانيين بفسحة من الأمل».
ويفتتح برنامج «مهرجانات البترون» بأمسيتين مخصصتين للمشروبات والطعام البحري. ويوضح فياض: «كل ما سيقدم في هاتين الليلتين (16 و17 الحالي) سيكون موقعاً من أبناء البترون شخصياً، وبالتحديد من منتجاتهم، التي باتت حالياً تضاهي في جودتها وأهميتها منتجات أجنبية». ويتابع: «سيتاح لمن يشارك في هاتين الأمسيتين الاطلاع على لائحة طويلة من المشروبات البترونية؛ وفي مقدمها الليموناضة المشهورة فيها، إضافة إلى أخرى مصنوعة من عصائر العنب الأبيض والأحمر… وغيرها. كما سيتعرف زائر أمسيتي الافتتاح للمهرجان، إلى مروحة واسعة من الأكلات اللبنانية المشهورة بها مطاعم تتوزع على أنحاء البترون وغالبيتها تتألف من الأسماك وثمار البحر».
وفي 23 و24 و25 يوليو (تموز) المقبل يستضيف المهرجان أحد أكبر المعارض الفنية لمصممين لبنانيين في السوق العتيق بالبترون. كما يشهد المهرجان تجمعاً لهواة ركوب الزورق، الذين سينطلقون مجتمعين من ميناء البترون في رحلة بحرية يتوغلون خلالها في بحر البترون وصولاً إلى «خليج البحصة» المعروف فيها. ويعلق سايد فياض: «ستكون مشهدية بحرية فريدة من نوعها يقودها نحو 300 هاوٍ لرياضة الزوارق الخشبية».
وتتضمن «مهرجانات البترون» أيضاً معرضاً فوتوغرافياً للمصور فارس جمال يمتد من 15 أغسطس (آب) حتى 5 سبتمبر المقبلين. وفي 2 و3 و4 و5 سبتمبر يقام «مهرجان الأفلام المتوسطية القصيرة» في الهواء الطلق. ويشرح منظم المهرجان: «سيجري عرض أفلام قصيرة جميعها مختارة من منطقة البحر المتوسط، وذلك في ساحة المغتربين بالبلدة، التي أعيد ترميمها من قبل مديرية الآثار في وزارة الثقافة. وسيتاح لأي شخص حضور هذه العروض على مدى الأيام الأربعة مجاناً، كما في النشاطات الأخرى. وسيجلس الحضور على مقاعد سينمائية تم شراؤها من إحدى صالات سينما طرابلس التي أقفلت في عام 1965. فتكون جلسة سينمائية بامتياز تأخذ الحضور إلى عالم الشاشة الذهبية بكل أبعادها».
ومسك ختام المهرجان سيكون مع حفل موسيقي يحييه خالد مزنر مع 10 موسيقيين جاءوا خصيصاً لبنان من الخارج، للمشاركة في لوحة الوداع الختامية للمهرجان. وسيقدم مزنر مع فريقه عزف موسيقى لأفلام مشهورة مثل «كراميل» و«كفرناحوم» وفيللا باراديسو»… وغيرها.
ومن المهرجانات التي ستستعيض بتقديم ألبوم غنائي لفنانيها بدل إقامة الحفلات «Beirut& beyond» ويحمل عنوان «بيروت 20 – 21». وسيشارك في هذا الألبوم نحو 20 فناناً اعتاد بعضهم المشاركة في أيام المهرجان في الأعوام السابقة؛ ومن بينهم مغني الراب جعفر الطفار وساندي شمعون واثنان من فرقة «طنجرة ضغط» خالد عمران وطارق وماري أبو خالد وسكارليت سعد… وغيرهم.
الشرق الاوسط – فيفيان حداد