أجرت قناة الحدث من محطة العربية حواراً مع الرئيس فؤاد السنيورة تناول آخر التطورات في لبنان وفي ما يلي نصه:
س: طُرِحتْ مبادرة من قبل بري واعتقد بأن الحريري ماض فيها. اليوم عاد السجال والتوتر السياسي بين الرئيس اللبناني عون وبين الحريري رئيس الحكومة المكلف لنعد الى البداية. هذه المبادرة التي قدمها بري ما شكلها وما هي تفاصيلها التي لم تعلن لغاية الآن حول هذه المبادرة؟
ج: بدايةً، دعيني أوضح لك وللمشاهدين الوضع الذي أصبحنا عليه اليوم في لبنان. الدستور اللبناني أَوْلَى فخامة رئيس الجمهورية الموقع الأسمى في لبنان بكونه رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، وفي أنه ينبغي عليه أن يكون الحامي والمدافع عن احترام الدستور. المشكلة التي أصبحنا في خضمها الآن أنّ فخامة الرئيس أصبح هو الذي يخرق الدستور. وكأنه أصبح ينطبق على وضعنا في هذه الحالة الآن في لبنان ما قاله السيد المسيح: “إذا فسد الملح فبماذا يملح؟؟”.
الحقيقة ان المبادرة الفرنسية كانت في الأساس من أجل تأليف حكومة انقاذ من غير الحزبيين، المستقلين الاختصاصيين غير المستفزين والقادرين على ان يكتسبوا ثقة اللبنانيين وثقة المجتمعين العربي والدولي.
ولقد جرى عقد 18 جلسة بين رئيس الحكومة المكلف وفخامة الرئيس، وتمّ عرض كل الأسماء المقترحة في حكومة من ثمانية عشرة وزيراً. ثمّ كان هناك إصرار على ان تكون حكومة من 24 وزيراً بدلاً من 18 ولكن على أساس ان لا يكون لأي فريق من الفرقاء أكثر من الثلث في هذه الحكومة العتيدة حتى لا يمارس أحد منهم التعطيل، وبالتالي بأن يدفع الحكومة إلى الاستقالة. وبناء على ذلك، جاءت مبادرة الرئيس بري كتعديل للمبادرة الفرنسية لكي تكون حكومة من 24 وعلى أساس ثلاث أثلاث (8-8-8)، وعلى أساس أنّ من يتولى عملية التأليف حسب الدستور اللبناني هو رئيس الحكومة المكلف الذي يقول النص حرفيا بأنه “يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة”، وبالتالي هو الذي يؤلف الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية على مرسوم تشكيلها.
س: إذا ما المشكلة الآن؟ هل سمع الرئيس اللبناني عن أي تفاصيل ورفضها صراحة؟
ج: نعم رئيس الجمهورية يصر على انه يريد ان يسمي الوزراء المسيحيين، وهذا الامر لا ينص عليه الدستور اللبناني، إذ أنّ النظام الديمقراطي اللبناني ليس نظاماً رئاسياً، بل هو نظام ديمقراطي برلماني. وما يحتاجه اللبنانيون الآن هو حكومة متجانسة متضامنة تقوم بعملها في عملية استرجاع الثقة التي انهارت كلياً بين اللبنانيين وبين المنظومة السياسية اللبنانية.
المشكلة كما تبدو الآن، أنّ رئيس الجمهورية يريد أن يقف على خاطر صهره جبران باسيل. والرئيس قد قال يوما “علشان خاطر صهري بلا ما تتألف الحكومة”. ويبدو اننا اليوم وكأننا مثلما كنا في العام 2014. ففخامة الرئيس يمارس في هذه المرحلة موقع المعطِّل لتأليف الحكومة. هذا الامر قد أوصل لبنان الآن إلى الانهيار الحقيقي ليس فقط الانهيار في الثقة ولكن في الأوضاع المعيشية والاقتصاد اللبناني وماليته العامة وأيضاً إلى انهيار القطاعات الاقتصادية والمؤسسات المصرفية والاستشفائية والتعليمية والسياحية وغيرها. وهذا يتطلب من الجميع أن يحولوا دون أن تستمر هذه المعاندة التي تدفع اللبنانيين الى المزيد من التشظي وإلى زيادة حدّة الصراعات الطائفية والمذهبية. لبنان اليوم بحاجة الى ان تتألف حكومة اليوم قبل الغد، وحتى لا تستمر وتيرة الانهيار ونصل إلى الارتطام الكبير والخطير. السؤال الكبير: ما الذي يريده فخامة الرئيس؟ هناك فعليا من يستثمر بعذابات اللبنانيين. فمن جهة أولى، فخامة الرئيس الذي يريد من هذه العملية ان يعيد الاعتبار لصهره الذي وقعت عليه العقوبات الأميركية. وهناك من جانب آخر من يستثمر بعذابات اللبنانيين من أجل تحسين قوته التفاوضية مع الولايات المتحدة في مفاوضات فيينا.
س: سيدي، ما جاء من بري وما نعرفه أن المطروح كان 18 وزيراً، وأنه أصبح 24. ما هي التفاصيل الأخرى ما الذي قُدّم للحريري وما الذي وافق عليه. شكل الحكومة الذي وافق عليها الحريري والذي كان من المرتقب ان تقدم للرئيس ولكن على ما يبدو هو رفضها حتى قبل ان يرى التفاصيل؟
ج: الذي اقترحه الرئيس بري يبدو أنه اقترح بعض التعديلات البسيطة على ما يسمى توزيع بعض الحقائب على ممثلي الطوائف، ولكن الرئيس بري من جهة أخرى، أكّد على حق الحريري، وبحسب الدستور اللبناني، بأنه هو الذي يسمي الأشخاص للحقائب الوزارية، وهو الذي يشكّل الحكومة وليس فخامة الرئيس. وهنا عليّ أن أوضح أمراً أساسياً، وهو أنّ فخامة الرئيس لديه كامل الحق في أن يبدي رأيه في كل وزير من الوزراء وليس فقط في أسماء الوزراء المسيحيين. فرئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، وليس هو رئيس فريق من اللبنانيين. ولذا، فإنه ينبغي على رئيس الجمهورية أن يرتفع في أدائه وفي معالجاته للأمور الى الموقع الأسمى الذي ينظر الى الأمور من الزاوية اللبنانية ومن زاوية مصلحة جميع اللبنانيين وليس من زاوية طائفة من الطوائف أو لمصلحة فريق منهم. فهو رئيس للجمهورية اللبنانية وليس رئيسا للمسيحيين. وهو يجب ان يتصف بهذه الصفة وان يقوم بدوره الذي ينص عليه الدستور ولا ان يكون ممثلا لطرف من اللبنانيين.
ما قاله الرئيس بري هو أنه متفق مع الحريري بشأن مبادرته، وهو ينتظر ما قد ينجم عن الاتصالات الجارية مع جبران باسيل.
س: وما الذي ينتظره الحريري ليخرج الى العلن ويقول ويتحدث عن كل المشاكل بتفاصيلها او ما الذي ينتظره لتقديم استقالته وهذا مطروح ومتداول؟
ج: كما شهدتِ وشاهد اللبنانيون في نهاية الأسبوع الماضي كان للرئيس الحريري ظهوراً إعلامياً في الجلسة التي عقدها المجلس النيابي للنظر في رسالة رئيس الجمهورية للمجلس النيابي. والحريري قد أوضح الأمور والآن بعد عودته من سفرته الأخيرة يسعى بجد بمتابعة دوره، وهو مهتم بتأليف الحكومة. إذاً لا اعتذار ولا استقالة وهو منكب على عملية التأليف ومحاولة إعادة الأمور الى نصابها.
أنا اعتقد ان هذا السجال بالاتهامات والمواقف العالية النبرة والسقف ليست مفيدة. فالمطلوب من الجميع ان يعود الى التعقل وإلى ما تتطلبه الأوضاع اللبنانية من مبادرات حقيقية تبتعد برئيس الجمهورية عن موقعه كطرف ويعود الى ان يتصرف كرئيس للبنانيين جميعاً. وليس أن يتصرف كما سبق وتصرّف عندما جرى تعيينه في العام 1989 كرئيس حكومة انتقالية ليصار بعدها إلى انتخاب رئيس جمهورية، وحيث قام الجنرال عون في حينها بحل مجلس النواب، بدلاً من أن يسعى لأن يصار إلى انتخاب رئيس جمهورية.
انا ادعو فخامة رئيس الجمهورية ان يتصرف بتبصر وحكمة إلى ما وصلت إليه حال البلاد، ويعيد النظر في الأمور ويسأل نفسه ماذا حقق فخامته على مدى الخمس سنوات الماضية منذ ان أصبح رئيساً للجمهورية للأسف لا شيء!! هذا الامر يتطلب من رئيس الجمهورية ان يتوقف وينظر الى تراثه، وعندما يتوقف وينظر الى عهده ليقول ماذا أنجزت وماذا حققت؟ وبالتالي، فإنّ عليه أن يبذل قصارى جهده لتغيير هذا المسار الانحداري، ويعيد تصويب الأمور لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين ولمصلحة إرثه الرئاسي.
س: سيدي الرئيس قلت انكم تنتظرون مبادرات، هل هذه المبادرة من البطريرك الماروني خاصة انه يتحدث اليوم مع رئيس الجمهورية ويقول لا مبرر لتأخير عملية التأليف. هل يعول على مبادرة من البطريرك وما التفاصيل التي ستكون جديدة؟
ج: نحن نقدر كثيراً دور غبطة البطرك في انه يسعى بكل جهده لأن تتألف الحكومة، ولكن ليس هذا دور البطرك في ان يقوم هو باقتراح أسماء أعضاء الحكومة، وهو قد قال هذا شخصياً. إذ قال انا ليس دوري ان اقترح أسماء. موضوع تأليف الحكومة يعود لرئيس الحكومة.
س: هو لا يقترح أسماء انما يقرب وجهات النظر ويطلب من أي طرف ان يتنازل فليلا؟
ج: لقد ذهب غبطة البطرك إلى رئيس الجمهورية، وشرح له الأمر وحثّه من أجل العودة إلى احترام أحكام الدستور. المشرعين يقولون “من ترك امرا من أمور الشرع احوجه الله اليه”. والشرع هنا معناه الدستور اللبناني الذي ينبغي على الجميع ان يحترمه ويلتزم به.
أنا اعتقد ان المشكلة في أن رئيس الجمهورية يعمل من أجل استرجاع صدقية ومقبولية صهره جبران باسيل واستعادته إلى المسرح السياسي اللبناني والمسرح الدولي. وهناك طرف آخر من يستثمر في وجع الناس ومعاناتهم، وأعني بذلك حزب الله الذي يتلطى وراء رئيس الجمهورية. والحزب يحاول أن يقنع الناس بأنه يسعى ما استطاع من اجل ان تتألف الحكومة، ولكنه بالفعل لا يريد أن يغضب رئيس الجمهورية لان حزب الله والتيار الوطني الحر يشكلان الطرف الوحيد الذي يتغطى به حزب الله ويغطي بدعمهما سلاحه. هذا هو الواقع الذي نراه اليوم، وذلك في أن كل واحد من هذين الطرفين، رئيس الجمهورية وحزب الله، يستثمران في أوجاع اللبنانيين من أجل تحقيق اهدافهما الأول من اجل استعادة الاعتبار السياسي لجبران باسيل والثاني من اجل حماية سلاحه وإقدار إيران على أن تستفيد من استمرار معاناة لبنان في زيادة قدرتها التفاوضية مع الولايات المتحدة في مفاوضات فيينا وما بعدها.
س: كنت سأسألك في هذه النقطة تتحدثون فقط عن جبران باسيل والحديث عن ما قبل جبران باسيل وهو حزب الله. الآن هناك قرار او تعطيل لتشكيل الحكومة من أي يأتي القرار؟ هل بالفعل هو قرار لبناني-لبناني ام ان التعطيل في فيينا من اجل المفاوضات النووية او في طهران؟
ج: بدون شك لقد مرّ لبنان قبل اليوم بتجربة مماثلة وهي تجربة عانى منها كثيراً لبنان وعانى منها الرئيس المكلف آنذاك تمام سلام. إذ في حينها انقضى على الرئيس تمام سلام حوالى احد عشر شهراً، وهو يسعى لتشكيل الحكومة، وإلى أن صدرت الموافقة بتأليف الحكومة آنذاك. وما جرى ذلك إلاّ عندما تمّ التوافق على التقدم على مسار التوصل إلى الاتفاق النووي بين ايران والولايات المتحدة الأميركية.
نحن الآن أشبه ما نكون كما كنا بالأمس. هناك من يحاول ان يستعمل ويستفيد من أوجاع لبنان واوجاع اللبنانيين لتوظيفها لصالح إيران من اجل تعزيز مفاوضاتها مع المملكة العربية السعودية ومفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأميركية. نحن الآن نمر بمرحلة شديدة الصعوبة ويقتضي ذلك من الجميع الإسهام في استمرار هذا الانهيار الخطير وممارسة أقصى درجة من درجات التبصر والتنبه للمخاطر الكبرى التي يعاني منها لبنان.
هناك من يحاول الهاء الناس. فما يجري من مناوشات وطروحات من هنا أو من هناك ليس إلاّ وسيلة لإلهاء الناس بمعاناتِهِم وبِذُلِّهِم. الحقيقة أنّ اللبنانيين يعيشون الآن في حالة اذلال. فاللبناني تُذَل كرامته يومياً من اجل ان يحصل على ربطة خبر أو من اجل ان يحصل على 10 ليتر بنزين لسيارته أو من اجل ان يسحب مبلغا بسيطا من حسابه في البنك.
هناك انهيار في الوضع الاقتصادي، وهناك انهيار في المؤسسات الاستشفائية، وانهيار في المؤسسات التعليمية وهذا كله من اجل حرف انتباه اللبنانيين وعدم التنبه إلى ما يجري. المسرح الأساسي هو أن الدولة اللبنانية مخطوفة وقرارها الحرّ مخطوف والدستور اللبناني مخطوف. كما أنّ المسرح الخارجي الأساس هو بين إيران والولايات المتحدة، والمسرح الأساس هو ما يجري في فيينا، والمسرح الفرعي هو ما يجري هنا في لبنان على صعيد عملية تأليف الحكومة والمسرح الأساسي الداخلي هو قضية جبران باسيل، وفي كيفية استعادة اعتباره من أجل رفع العقوبات عنه، وكأن اللبنانيين هم الذين فرضوا عليه هذه العقوبات. ما يجري الآن في لبنان هو تحميل لبنان وزر المشكلات الدولية والإقليمية، ويتحمّل لبنان واللبنانيين هذه الأعباء التي لا طاقة له بها.
هذا الخبر الرئيس يخرق الدستور.. السنيورة: المسرح الداخلي هو كيفية رد اعتبار جبران باسيل وكأن اللبنانيين هم الذين فرضوا عليه العقوبات ظهر أولاً في Cedar News.