كنبت جويل رياشي في الأنباء: اشتهرت مدينة البترون الساحلية الشمالية اللبنانية بعصير الليموناضة (ماء وسكر وليمون تقدم باردة مع الثلج)، ولطالما تردد ان الليموناضة اللبنانية الأصلية لا يمكن الحصول عليها الا في البترون.
قبل نهاية الحرب الأهلية، رفعت على «استراحة الحسون» على طريق ضبية البحرية (ساحل المتن الشمالي المؤدي إلى العاصمة بيروت) لافتة فيها «تتشرب وتكون ممنون لا تتعذب ع البترون، الليموناضة الأصلية بضبية عند الحسون».
الا ان الاستراحة اختفت بعد توسيع الاوتوستراد وإقامة منشآت بينها ثكنة القوى السيارة (الفهود) التابعة لقوى الأمن الداخلي.
والنتيجة ان الدعابة لم تنل من ليموناضة البترون، وخصوصا التي اشتهر محل «شي حلمي» بتقديمها على الطريق البحرية في السوق الرئيسي للبلدة.
كثيرون يذكرون المحل الذي كان يبيع الليموناضة «سفري» و«على الواقف» دون اهتمام العابرين وقاصدي المكان بالجلوس.
اليوم، تبدل المشهد بانتقال «حلمي» إلى الداخل قليلا لجهة البحر، حيث تضيق الطرق وبالكاد تتيح مرور السيارات.
المحل تحول منزلا لـ «حلمي»، بيت يبيع الليموناضة والبوظة وغيرها من العصائر والحلويات.
بيت فيه استراحة فسيحة ومتحف خاص بالأواني المستعملة منذ تأسيس المحل، إلى متجر صغير لبيع التذكارات الخاصة بهذه الصنعة.
بيت بحجر تراثي، وتقف أمامه في الساحة الفسيحة عربة «توك توك» عليها الشعار الأصفر الخاص بـ «حلمي».
يقف قاصدوه من بيروت ومن المناطق أمام ثلاثة شبابيك للحصول على العصائر عبر الخدمة السريعة، والغالبية تطلب التزود بقناني بلاستيك فيها سعة ليتر من الليموناضة ارتفعت أسعارها تباعا ووصلت إلى 30 الف ليرة لبنانية للعبوة الكبيرة، مقابل ثمانية آلاف ليرة للكوب.
في الداخل يستطيع الزائر مطالعة الحكاية بلوحات وصور ارتفعت على جدار كبير، تبرز منه شهادة من رئيس الجمهورية سليمان فرنجية (1970 ـ 1976)، منح فيها حلمي محمد عبدالرحيم وسام الأرز الوطني من رتبة فارس في 24 أكتوبر 1974، قبل اشهر من اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (أبريل 1975 ـ أكتوبر 1990).
قصة حلمي (1919 ـ 1990) مؤسس المحل في 1962، فيها مزيج من النجاح والمأساة، اذ فقد ابنه البكر نافذ (1950 ـ 1973)، عندما اجتاحت شاحنة المحل القديم في السوق وأودت بالشاب ابن الـ 23 سنة.
تعلم حلمي إعداد الليموناضة من والده محمد الذي كان أول من صنع هذا المشروب في البترون في 1888.
علما ان صاحب المحل خاض الشأن العام في المدينة المختلطة، وانتخب نائبا لرئيس بلديتها في 1974، ثم تولى مقاليد الرئاسة بعد شغور المنصب في 1981 واستمر حتى 1985.
رحل الجد والحفيد والمؤسس، وتبدل مكان المحل، واستمر «بيت الليموناضة» علامة فارقة في بوابة محافظة الشمال مدينة البترون.
حكاية خلدها المذاق، ينبعث فيها اسم حلمي بطعم الحامض الممزوج بالسكر وماء الزهر.