ودعت نقابة الأطباء في لبنان ومنطقة البترون ورابطة البترون الإنمائية والثقافية مؤسس مستشفى البترون رئيس الرابطة الدكتور سمير أبي صالح في مأتم مهيب، وترأس ممثل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي النائب البطريركي المطران أنطوان عوكر الصلاة لراحة نفسه في كاتدرائية مار اسطفان بالبترون بمشاركة راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خير الله ولفيف من الكهنة وحضور عدد كبير من الأطباء وأعضاء الرابطة ورؤسائها السابقين، إضافة إلى أصدقاء الراحل وعائلته.
الرقيم البطريركي
وتلا أمين سر الراعي الأب هادي ضو الرقيم البطريركي، الذي ثمن “مسيرة الراحل ومزاياه ونشاطه الطبي والاجتماعي والثقافي”، وقال فيه: “البركة الرسولية، تشمل بناتنا وأبناءنا الأعزاء: منى حنا زعرور زوجة المرحوم الدكتور سمير طانيوس أبي صالح وابنه وبناته وشقيقه وشقيقتيه وعائلاتهم وعائلات المرحومين أشقائه وشقيقته، وسائر ذويهم وأنسبائهم في الوطن والمهجر المحترمين.
آلمنا خبر وفاة عزيزكم وعزيزنا الدكتور سمير الزوج والوالد والجد والشقيق المحب بعاطفة من القلب، كنا نراها بأعيننا، إذ كان يفرح ويتألم من الصميم مع فرح أي منكم أو ألمه أو قلقه. هذا الذي عاشه في عائلته عاشه أيضا في مجتمعه البتروني، وقد تفانى في خدمته طبيا وثقافيا وإنمائيا وحضوريا فاعلا. وكذلك في نقابة الأطباء في بيروت وإدارة مستشفى البترون، ورابطة البترون الإنمائية والثقافية، وهي كلها تشارك العائلة في نعييه بكثير من الأسى”.
أضاف: “في ضهر أبي ياغي أبصر النور في بيت كريم، تربى فيه على القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية إلى جانب أربعة أشقاء وثلاث شقيقات، نسج معهم ومع عائلاتهم أفضل روابط الأخوة، وآلمته وفاة ثلاثة أشقاء وشقيقة، فنرجو للباقين العمر الطويل. بعد أن أنهى دروسه في مدرسة الحكمة بالأشرفية، وتخرج طبيبا من جامعة القديس يوسف، تابع اختصاصه في الأمراض الداخلية والقلب في جامعة مونتريال الشهيرة. وعاد إلى لبنان سنة 1969 ليكرس كل نشاطه الطبي في البترون مدينة وقضاء. وحقق مع المرحوم الأب يوسف يزبك الراهب اللبناني تأسيس مستشفى البترون الذي تولى فيه رئاسة الجسم الطبي مدة حوالى أربعين سنة متفانيا في الخدمة والعطاء”.
وتابع: “ارتبط في سر الزواج المقدس بشريكة حياة فاضلة هي السيدة منى حنا زعرور من مدينة جبيل العزيزة، إبنة بيت كريم وأسرة معروفة. عاشا معا حياة سعيدة، باركها الله بثمرة الإبن الوحيد والبنات الثلاث، فربياهم أحسن تربية على أسس الإيمان والأخلاق والانفتاح الاجتماعي. ووفر لهم الوالد من تعبه العلم الجامعي والاختصاص، وفرح مع زوجته بهم جميعا يؤسسون عائلات رضية، ووجد بهجته في الأحفاد ال14. وكم آلمته مع العائلة كلها وفاة صهره الشيخ الدكتور بطرس الهاشم المبكرة، لكنهم تعزوا بالإيمان الذي أظهرته زوجته العزيزة كارلا محتضنة أولادها، ومؤمنة لهم دروسهم واختصاصاتهم، ومالئة الفراغ الذي تركه المرحوم والدهم، فكانت لهم القدوة والعزاء”.
وأردف: “تحفظ البترون للمرحوم الدكتور سمير أبي صالح الذكر العاطر لخدمته الطبية الشاملة للقضاء ولسواه من المناطق، ليس فقط في مستشفى البترون، بل وفي المدينة الكشفية للجيش اللبناني، وفي مستشفى المعونات – جبيل، هذا إضافة إلى ما أدى لبلاد البترون من خدمات اجتماعية فأسس مع مجموعة من الفاعليات رابطة البترون الإنمائية والثقافية سنة 1985، فأطلق البطاقة الصحية للطبابة المجانية ووزع الدواء للمحتاجين والأسمدة الزراعية، وعزز ندوات للتنمية الثقافية في أيار من كل سنة”.
وختم: “بعد هذه الحياة الغنية بالعطاء، شاء الله أن ينهيها في عيد الرحمة الإلهية والأحد الجديد، هذه علامة سماوية أنه يدخل بنعمة خاصة من الله الغني بالرحمة إلى العالم السماوي الجديد لسعادة لا تفنى. على هذا الأمل وإعرابا لكم عن عواطفنا الأبوية، نوفد إليكم سيادة أخينا المطران أنطوان عوكر نائبنا البطريركي السامي الاحترام ليرأس باسمنا حفلة الصلاة لراحة نفسه، وينقل إليكم تعازينا الحارة”.
كلمة الرابطة
وبعد صلاة رفع البخور، ألقت الدكتورة أودين سلوم كلمة الرابطة فتحدثت عن “الأعمال الإنمائية والثقافية التي أطلقها في الميدان الصحي والميدان الإنمائي التخطيطي والاجتماعي والثقافي”، وقال: “نودع اليوم من ملأ البترون وشغل أبناءها يوم انشغل وشغل من حوله في انمائها. في يوم الرحمة الالهية، أطفأ الموت من أضاء منطقة البترون علما وثقافة وإنماء. بدأ مسيرته فيها طبيبا، شابا، واعدا، داوى قلوب ابنائها، وكان من الأطباء الكفؤ الذين اشتهروا في لبنان من خلال مستشفى البترون، الذي ساهم في تأسيسه وكان رئيسا للجنته الطبية مرات عدة وعضوا في مجالس إدارته. دافع عن بقائه واستمراريتها بكل جوارحه لخير أبناء منطقته.
أضافت: “دكتور سمير أبي صالح لن يموت لأن طيفه سيبقى في كل زاوية واسمه على كل أثر فكري وعطاءه في كل عمل إنمائي. دكتور سمير أبي صالح لن يموت لأن الميت ميت الأحياء، وهو في غيابه سيبقى حاضرا في كل وليمة ثقافية. نعاهدك أن الرابطة التي ارتبط اسمها باسمك، وعرفها البعض باسم رابطة سمير أبي صالح ستبقى وتستمر وتنمو، كما أردتها منارة ثقافية في منطقة البترون، وستخلد ذكرى رئيسها المؤسس الذي لم يهجرها انما انتقل الى الضفة الأخرى من الكون حيث الحياة الأبدية والنور الذي لا ينطفئ. خيارك كان ان تحيا كمن لا يموت وان تتجذر كالأشجار المعمرة والا تمر في هذه الحياة مرور الكرام، فكان لك ما أردت، وكنت أنت العاقل الذي عمل لهذه اللحظة المهيبة”.
وختمت: “سنشتاق إلى صوتك يصدح في المدى، وإلى هامتك تملأ الأمكنة، والى ملامح بسمتك المرسومة على وجهك. ومعك اختم بالقول: رحلت يوم أصبحت الحياة أشد رعبا من الموت، وتركتنا نقلب بشوق أوراق الزمن بحثا عن مآثرك التي تبقيك حاضرا بيننا، متسلحين برجائنا الذي يعزينا: المسيح قام”.
كلمة الاطباء
وألقى الدكتور شاكر حبشي كلمة باسم الاطباء، وقال: “يا صديقي أنت الآن في رحمة الله اللامتناهية، أمثالك لا يموتون لأنك أشعلت شمعة مضيئة في كل بيت وقلب. أعطيت الطب شهادة العطاء، وأعطيت الثقافة وهجها المتنور. كما أعطيت الفكر عمقه في الابداع. كنت فارسا لا يؤمن بقوة السيف، بل كنت فارسا يؤمن بسيف القوة. كنت فارسا لا يؤمن بعقلية السيف، بل كنت فارسا يؤمن بسيف العقل. كنت فارسا لا يؤمن بعدالة السيف، بل كنت فارسا يؤمن بسيف العدالة. كنا نواجهك بالمعلم كونفوشيوس وكنت تواجهنا بالمعلم بوذا. كنا نواجهك بالفيلسوفة المصرية هيباتيا وكنت تواجهنا بالفيلسوفة ولادة بنت المستكفي. كنا نواجهك بالقديس يوحنا الذهبي الفم وكنت تواجهنا بالقديس أوغسطين. كنا نواجهك بإبن رشد وكنت تواجهنا بالفيلسوف القديس توما الاكويني. كنا وكنت والحديث عنك يطول ويطول وكنت دائما نبراسا في الفكر والعلم والعقل والفلسفة. كان ايمانك نقطة على السطر. أما فكرنا فكان علامة استفهام، وذهبت مع ايمانك نقطة على السطر وبقينا مع علامة الاستفهام نسأل ونسأل، وشتان بين السؤال والايمان. تركت المكان وذهبت الى الزمان والزمان فيه الخلود”.
ثم تقبلت العائلة تعازي المشاركين ونقل الجثمان إلى مسقط رأسه ضهر أبي ياغي حيث ووري في الثرى بمدافن العائلة.