وكأن لبنان لم يكن ينقصه من الأزمات والخضات إلا انفجار هائل حوَّل عاصمته بيروت إلى مدينة «منكوبة»، وشوارعها أشبه بساحات حرب.
الموجة الانفجارية التي ضربت مرفأ بيروت أجمع سكان العاصمة أنهم لم يروا مثلها من قبل، فقد طالت آثارها مختلف مناطق بيروت، ووصل دويها حتى قبرص، وشوهدت العديد من المباني وقد سقطت شرفاتها وهوت أسقفها على رؤوس قاطنيها، وهرعت سيارات الإسعاف في عموم شوارع بيروت لنقل المصابين إلى المستشفيات وسط حالة ذعر أصابت سكان العاصمة، فيما استمرت الحرائق وسحب الدخان لساعات فوق سماء المدينة. وقالت مصادر مطلعة لـ «الأنباء» إن الحادث المأساوي أدى إلى سقوط عشرات القتلى وأكثر من ثلاثة ألاف جريح بحسب المعلومات الأولية الواردة إليها، وقالت إن عنف الانفجار والعصف الناتج عنه يشيران الى أن ذلك نتيجة اشتعال مواد متفجرة وخطيرة.
وقد دعا الرئيس العماد ميشال عون المجلس الأعلى للدفاع إلى الانعقاد بشكل عاجل أمس لبحث التطورات، وطلب من كل القوى المسلحة اللبنانية العمل على معالجة تداعيات الانفجار.
ولاحقا قرر المجلس تحويل نشاط المرفا الى طرابلس واعلان حالة الطوارئ في بيروت لاسبوعين والتحقيق في اسباب الحادث على ان تعلن النتائج خلال 5 ايام.
وقالت الرئاسة اللبنانية في بيان: ان الرئيس عون تابع تفاصيل الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت، وأعطى توجيهاته لكل القوى المسلحة بالعمل على تسيير دوريات في الأحياء المنكوبة من العاصمة والضواحي لضبط الأمن. وطلب عون تقديم الإسعافات للجرحى والمصابين على نفقة وزارة الصحة وتأمين الإيواء للعائلات التي تشردت نتيجة الأضرار الهائلة التي لحقت بالممتلكات. من جهته، أعلن رئيس الحكومة حسان دياب اليوم الأربعاء يوم حداد وطني.
بدوره، قال مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، في تصريح صحافي لدى تفقده موقع الانفجار، إنه وقع في جزء بـ«مخزن لمواد شديدة الانفجار مصادرة منذ سنوات من سفينة روسية ولم يتم إتلافها»، وليس مستودعا للألعاب النارية كما ذكر في البداية، وقال «لا يمكن استباق التحقيقات».
وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن الأضرار شملت مقر السراي الحكومي ومطار رفيق الحريري الدولي جنوب بيروت فضلا عن المجمعات التجارية.
وهرعت سيارات الإسعاف باتجاه بيت الوسط اعتقادا أن شرا قد أحاط بالرئيس سعد الحريري الذي يقع منزله قبالة المرفأ، ثم سرعان ما تبين ان بيت الوسط اصبح بلا زجاج ولا أبواب، ويقول النائب اغوب بقرادونيان انه كان مجتمعا والرئيس الحريري وعند حصول الانفجار المدوي «اهتز المبنى فانبطحنا أرضا».
وأعلن محافظ بيروت مروان عبود أن «بيروت منكوبة وهناك دمار كبير وما حصل غير مسبوق» في لبنان، وأضاف: «لقد تحولت بيروت إلى هيروشيما، ما أشهده لم يشهده لبنان في تاريخه». وقال عبود، في تصريح صحافي خلال تفقده الأضرار في مرفأ بيروت، إنه فقد الاتصال بعناصر من إطفاء بيروت. وأوعز وزير الصحة د.حمد حسن إلى جميع المستشفيات استقبال المصابين على نفقة الوزارة.
وقد ألحق الانفجار أضرارا بالغة بمبنى إهراءات القمح في مرفأ بيروت وتحطم زجاج عدد من المساجد والكنائس وسط بيروت خاصة مسجد محمد الأمين ژ وكنيسة مار مارون، كما أصيبت فنادق الواجهة البحرية حيث اصبحت بلا نوافذ زجاجية ولا ستائر، وطال عصف الانفجار منزل الرئيس نجيب ميقاتي المقابل لفندق «فينيسيا»، كما طال العصف ايضا السراي الحكومي التاريخي الذي حوله الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى حصن، بأبوابه ونوافذه الزجاجية بما فيه الطبقة الأخيرة منه المخصصة لسكن رئيس الحكومة حسان دياب.
وأخليت مستشفى الكرنتينا الحكومية التي تهدم جزء منها مع كل التجهيزات، في حين خرج الأطباء والممرضون في بعض المستشفيات خصوصا مستشفى اوتيل ديو والجامعة الاميركية إلى حدائق هذه المستشفيــــــات، وطلبت المستشفيات تبرعات عاجلة بالدم خصوصا مستشفى اوتيل ديو التي استقبلت نحو 400 جريح. وقال الأمين العام للصليب الأحمر جورج كتانة إنه ما من مبنى سليم في منطقة الأشرفية، وان كل سيارات الإسعاف مستنفرة، وان احد طرادات الجيش في المرفأ ساهم في نقل جرحى إلى مستشفيات جونيه. وأفيد عن ذوبان حاويات بضائع كبيرة في المرفأ واقتلاع أجزاء من مبان، وتحدثت مصادر أمنية عن وجود 6 جثث في منطقة المرفأ وأن روائح مادة المازوت تفوح بالمكان. أحد المواقع الإلكترونية ادعى ان الانفجار حصل في العنبر رقم 12 الذي يحتوي على كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم المتفجرة، والتي تتفجر عادة في حالة الرطوبة أو الحر الشديد. وأكد المدير العام للجمارك بدري ضاهر لقناة «الجديد» أن الانفجار حصل في عنبر للكيماويات في المرفأ، ومن بين ضحايا الانفجار أمين عام حزب الكتائب نزار نجاريان.
وفي مكان التفجير قال عسكري لوكالة «فرانس برس»: «هناك مأساة في الداخل، هناك كثير من الجثث على الأرض وسيارات الإسعاف لاتزال تعمل على نقل الجرحى»، وعملت طوافة للجيش على تعبئة المياه من البحر لإطفاء الحريق الذي استمر لوقت طويل مندلعا في المكان، كما شوهدت باخرة تحترق عند المرفأ. وطلب ضابط في المكان من الصحافيين مغادرة كل منطقة المرفأ خوفا من انفجار الباخرة التي تحوي وقودا، وبدا أن مستوعبات كثيرة في المرفأ تحولت ركاما.
وبعد تداول أخبار عن عمل عسكري يحمل بصمات إسرائيل ضد أهداف لحزب الله، نقلت «رويترز» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «إسرائيل ليست لها علاقة بانفجار بيروت».
وقالت مصادر مطلعة مقربة من حزب الله لقناة «او تي ڤي»، الناطقة بلسان التيار الوطني الحر، انه لا صحة لكل ما يتم تداوله عن ضربة إسرائيلية لأسلحة تابعة لحزب الله في المرفأ.
إلى ذلك، أعلن المركز الأوروبي المتوسطي للزلازل، أن الانفجار شعر به سكان قبرص الواقعة على بعد 240 كيلومترا من لبنان.
الأنباء – عمـر حبـنجـر – داوود رمال – خلدون قواص