لم يغير البطريرك بشارة الراعي في برنامجه وقرر الانتقال الى مقره الصيفي في الديمان رغم وطأة الأزمة الثقيلة والخطيرة.
ابتعد الراعي عن «مركز الحدث والقرار»، ولكنه ظل حاضرا في صلب المعادلة، ولم يسبق لحضوره أن كان «متوهجا» مثلما هو عليه هذه الأيام، مع إطلاقه جملة مواقف تؤشر الى تعديل في خطابه السياسي.
تعديل أصاب الأسلوب الذي صار أكثر وضوحا، والمضمون الذي صار أكثر تشددا وابتعادا عن المنطقة الرمادية.
وهذا التغيير كان موضع متابعة وترصد من قيادات جهدت في استقصاء خلفيات هذا التغيير «الأولي»، وما إذا كان مؤقتا أم قابلا للتطور، وما إذا كان البطريرك الراعي في صدد تفعيل دوره الوطني ورعاية لقاءات وجبهات معارضة في إحياء لدور بكركي الذي بلغ ذروته في العقد الماضي (2000 ـ 2010) أيام البطريرك الراحل نصرالله صفير.
خلال الأيام الماضية، اصدرت الطوائف والأحزاب ردات فعل حيال مواقف الراعي:
1 ـ حرص رؤساء الحكومات السابقين على التنويه بموقف الراعي، وخصوصا لجهة تفهمه المقاطعة السنية للقاء بعبدا وإعطاء هذه المقاطعة بعدا وطنيا لا طائفيا، وتفهمه التحفظات والهواجس المتصلة بمحاولات المساس باتفاق الطائف تحت عنوان تطوير النظام السياسي، والقول عن لقاء بعبدا أنه يؤسس لبداية إصلاحات سياسية، فيما الظرف الحالي غير ملائم لمثل هذه الإصلاحات.
2 ـ أظهرت أوساط قريبة من قصر بعبدا امتعاضا وعدم رضا عن الموقف الذي أعلنه الراعي اذ اعتبر أن اللقاء الحواري زاد في الإنقسام السياسي الداخلي بسبب عدم الإعداد له كما يلزم، ومناشدا رئيس الجمهورية التعويض عن غياب الشراكة الوطنية والتنوع السياسي في لقاء بعبدا «بالإعداد لمؤتمر وطني شامل بالتنسيق مع دول صديقة تمكن لبنان من مواجهة التحديات ومصالحة ذاته مع الأسرتين العربية والدولية قبل فوات الأوان».
3 ـ أبدت أوساط نيابية في كتلة حزب لله امتعاضا حيال الموقف الذي أعلنه الراعي من الحكم القضائي الصادر في حق السفيرة الأميركية الذي انتقده الراعي بقوة، مبديا الأسف «لأن يصدر حكم قضائي مستغرب يمنع شخصية ديبلوماسية تمثل دولة عظمى من حق التعبير عن الرأي، ويمنع جميع وسائل الإعلام من إجراء أي مقابلة معها.
كما أسفنا واستغربنا أن يصدر في يوم عطلة وخلافا للأصول القانونية، مشوها هكذا صورة القضاء اللبناني، ومخالفا للدستور، وناقضا
المعاهدات الدولية والاتفاقيات الديبلوماسية. فاقتضى الاستنكار وتوجب التصويب».
الى مواقفه العلنية، يقوم البطريرك الراعي بحركة لقاءات واتصالات بعيدا عن الأضواء، وتتمحور حول الأزمة الراهنة وكيفية مواجهتها، ويتلقى المعلومات والتقارير التي تحذر من خطر الجوع والعوز، ومن هجرة مسيحية واسعة ستكون الموجة الثالثة الأكبر منذ 4 عقود، ومن انهيارات مالية واقتصادية واجتماعية متلاحقة، ومن مشاريع جارية لتغيير وجه لبنان الاقتصادي والثقافي، بعدما تم استهداف قطاعين حيويين: المصارف والمدارس، كما يتلقى البطريرك الراعي سيلا من الاقتراحات السياسية التي تحثه على رعاية لقاءات والقيام بمبادرات:
٭ هناك من يقترح، مثل الرئيس ميشال سليمان العائد حديثا الى الساحة السياسية، تشكيل مجموعة سياسية تحمل مشروع حياد لبنان لحمايته من صراعات الدول والمحاور.
٭ هناك من يشجع البطريرك الراعي مثل شخصيات نخبوية في 14 آذار سابقا على تشكيل لقاء وطني سياسي على غرار لقاء قرنة شهوان الذي شكل قبل عشرين عاما ليكون بمنزلة الذراع السياسية لبكركي ورأس حربة مستقلة في الدفاع عن الثوابت والخط التاريخي.
٭ هناك من يقترح على البطريرك الراعي إحياء لقاء الأقطاب الموارنة الأربعة (مع تعديلين يشملان حلول باسيل محل عون وحلول سامي الجميل مكان والده).
ولكن الراعي ليس متحمسا لإحياء هذه الصيغة، كما يبدي حذرا حيال الدعوات الى عقد لقاء مسيحي موسع لإعادة تركيز الموقف العام، سيكون في الواقع لقاء مارونيا موسعا بعدما بدأ الأرثوذكس والكاثوليك بسلوك طريق الانتفاضة لإثبات الوجود والاستقلالية والحصول على الدور والحقوق.
لا يبدي الراعي حماسة للمقترحات والمشاريع السياسية، وإنما ما يعنيه في هذه المرحلة وما يستهويه هو البحث عن طريقة فضلى وعملية لكيفية مساهمة بكركي في مواجهة الأزمة الخانقة والحد من سلبياتها وأعبائها على الشباب والعائلات وعلى قطاعات أساسية.
وثمة أبحاث ودراسات أعدت وقرارات اتخذت لتوضع على سكة التنفيذ.
الانباء
لبنان – Cedar News
Read More