BBC
في نهاية عام 2012 حاورتُ الأمين العام للأمم المتحدة حينذاك بان كي مون، بشأن قضايا الساعة المختلفة.
كان موجوداً حينها في الدوحة لحضور مؤتمر دولي عن المناخ.
وبمجرد الإعلان عن اللقاء في مواقع التواصل الاجتماعي انهمرت التعليقات من المتابعين تطلب أن أسأله: لماذا هو “قلق” دائماً حيال كل شيء؟
وتمر السنون ويتسنى لي محاورة الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيرش، والذي يُنطق اسمه الأخير وفق جيراني البرتغاليين – صحفية وزوجها الأستاذ الجامعي – هكذا: غوتيرش بتسكين الراء ونطقها من الحلق كالفرنسيين او الأسكتلنديين (منطقة ما بين الغين والخاء).
واذا كان نطق اسم الضيف بالشكل الصحيح أمراً هاماً فالمهم أيضاً تحديد أولويات القضايا التي سنناقشه فيها. فكل ما كان لدينا حسب وقت ضيفنا الكريم هو ربع الساعة، امتدت لاحقاً بتفاعله إلى خمس وعشرين دقيقة كاملة.
قبل ليلة واحدة من اللقاء خرج غوتيرش إلى الصحفيين فتحدث مطولاً، فالمناسبة هي العيد الخامس والسبعون لإنشاء المنظمة التي هو على قمة الهرم منها، وهناك شهية مفتوحة للكلام. لكن هناك فرصة دائماً للابتعاد بالحديث عن دائرة “ما يخرج المسؤول ليقوله طواعية” والاقتراب به إلى دائرة “ما يريد المشاهد سماعه”. وقد كانت هذه هي البوصلة التي تحركني طوال اللقاء: أن أعود بسير الحديث للموضوعات التي تهم ٤٢٦ مليون مشاهد لمحتوى بي بي سي حول العالم طبقاً لأرقام ٢٠١٩.
تقرر في الاجتماع التحريري المطول الذي سبق اللقاء أن يتم التركيز على محورين: هل تبقى الأمم المتحدة اليوم وبعد ٧٥ عاما على انشائها كياناً ذا صلة بالذات فيما يتعلق بالصراعات المسلحة المتعددة التي تعج بها منطقة الشرق الأوسط، ووضع المنظمة الهيكلي والإداري بما يشمل نظام الفيتو وهل يسهل أم يعقد صنع القرار.
تشعب الحديث في عناوين فرعية عديدة تحت المحورين: من أسباب إزالة اسم التحالف بقيادة السعودية في اليمن من القائمة السوداء للجهات المسؤولة عن مقتل أطفال في الصراعات، لمدى مشروعية الاتفاقات الثنائية بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية في نظر الأمم المتحدة، وغير ذلك كثير.
رصدت طبعاً أن هذه المرة لم يستفز التنويه عن اللقاء متابعينا في حسابات التواصل الاجتماعي لطلب سؤال الضيف عن أسباب القلق الدائم – كالمرة السابقة – إلا بنسبة قليلة من التعليقات التي وردت. وقد يكون في هذا مؤشر ذو دلالة ما – أو ربما لا يكون!
من ناحية فنية وتقنيه قد تبدو الحلقة عزيزي المشاهد عادية، إلا أنها كانت العكس تماماً. لقد تطلبت جهداً ضخماً من فريقي إعداد منفصلين، وفريقي إنتاج فني منفصلين أيضاً، وتعاوناً بين بيروت ولندن، وتسجيلاً على مدار ثلاثة أيام. قال لي “كريس” – أحد المخرجين الذي عمل على جزء من التسجيل: “الآن عرفت بم سأجيب في أي مقابلة عمل في المستقبل عندما يطلب مني سرد موقف أنجزتُ فيه عملاً تحت ضغط خيالي”. أجبته حينها وأجابه معي كل الموجودين في نفس واحد: “وأنا كذلك!”
لو لم يظهر أي من هذا على الشاشة نكون نجحنا، فمن سحر التلفزيون بيع الوهم، ومن ذلك الإيهام بأن كل شيء مر سهلاً سلساً منظماً مقصوداً، حسب الخطة.
أذيع الحوار ضمن برنامج بلا قيود، في الخامسة والنصف مساءً بتوقيت غرينتش الأحد ٢٨ يونيو حزيران ويعاد على مدار الأسبوع.