طال الإغلاق المفروض على الناس حول العالم لمكافحة انتشار سريع لفيروس كورونا حتى بدت البيوت وكأنها سجون صغيرة داخل أسوار بلدان أغلقت حدودها بالكامل.
لكن الوضع بدأ يتغير تدريجيا مع إعلان دول كثيرة تراجع معدلات انتشار الوباء وانحساره، وإعلان أخرى السيطرة عليه بما يسمح لها بالتمهيد لعودة الحياة إلى طبيعتها، ولو بحذر.
Getty Images
ينتظر كل شخص الخروج من دائرة الانعزال والخوف والشك المتواصل الذي دفع كثيرين إلى حدود الأزمات النفسية.
لكن حواجز كثيرة تقف وراء امتناع البعض عن المشاركة في إعلانات الانتصار على وباء كورونا التي تتواتر كل فترة، فأسباب التخوف كثيرة أهمها الغموض الذي يكتنف الوباء وطبيعة الفيروس نفسه.
وهناك سبب آخر هو انعدام ثقة البعض في الحكومات وصدق أو دقة المعلومات التي تنشرها والقرارات التي تتخذها بشأن الوباء وتأثيره على مسارات الحياة الطبيعية للفرد والمجموعة.
تونس ومصر مثالا
فتحت تونس اليوم مطاراتها وموانيها لاستقبال التونسيين العائدين والسياح، وقد صنفها المجلس العالمي للسفر والسياحة بلدا آمنا من الوباء حسب ما أعلنت وزارة السياحة.
تونس تتحصل على علامة “السفر الآمن” كبلد جاهز على المستوى الصحي لاستقبال الوافدينأعلن، اليوم، المجلس العالمي للسفر…
Posted by Ministère du Tourisme et de l’artisanat – Tunisie وزارة السياحة – تونس on Friday, June 26, 2020
الخطوة أثارت في البلد فرحا بقدر ما أثارت من خوف! هكذا بدا المشهد كما عكسه تفاعل التونسيين مع القرار على وسائل التواصل الاجتماعي.
فقد أُرفق قرار فتح الحدود بإجراءات وقائية أعلنتها الحكومة والجهات المختصة وأظهرتها الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي اليوم.
Comme c’est bon de se retrouver Nous sommes très heureux de la reprise de nos vols commerciaux C’est une…
Posted by Tunisair on Saturday, June 27, 2020
بلاغ : تونس في 24 جوان 2020في إطار مواصلة مجهودات التوقّي من إنتشار فيروس كورونا المستجد وعملا بمبادئ المرونة…
Posted by Présidence du Gouvernement Tunisien – رئاسة الحكومة التونسية on Wednesday, June 24, 2020
ورغم ما يوحي به المشهد العام في البلاد من أن الحياة عادت إلى طبيعتها مع تغيير شكلي قد ينحسر في صفوف أمام المحلات، ومقاه أقل اكتظاظا وكمامات طبية على بعض الوجوه، فإن الحذر وعدم تجاهل الوضع الوبائي المحلي والدولي مازال مطلوبا.
وقد تُذكر بذلك في يوم “إعلان الانتصار على كورونا” كما اعتبره البعض، تدوينة وزير الصحة التونسي “عبد اللطيف المكي” على صفحته على فيسبوك.
للأسفخلال ال24 ساعة الماضية أكثر من 2400 وفاة في الولايات المتحدة الأمريكية و أكثر من 75 وفاة في مصر يسببها فيروس كورونا.التزام البروتوكولات الصحية واجب.التوقي الفردي ضروري جدا.
Posted by Abdellatif El Mekki عبد اللطيف المكي on Saturday, June 27, 2020
في مصر٫ اتخذت الحكومة خطوة كبيرة أيضا بإعلان فتح المقاهي ومرافق أخرى وعودة الصلاة في المساجد.
وكانت القرارات مشروطة بإجراءات وقائية إلزامية.
وأدخلت عودة الصلاة في المساجد البهجة إلى قلوب كثيرة. ولم يفت البعض فرصة التعبير عن بهجته هذه بصورة أو تعليق على مواقع التواصل بعد صلاة فجر اليوم.
ناس بتتقابل وهي خارجة من صلاة الفجر وتدعي ربنا يفك الكرب .. مشهد غاب من شهور وعاد الان ..
Posted by Mahmoud Abo Bakr on Friday, June 26, 2020
لكن الوضع في مصر والتقارير اليومية عن الإصابات والوفيات بالوباء، وتغريدات الناس وتدويناتهم عن أوضاع المستشفيات والمرافق الصحية عموما دفعت البعض إلى اعتبار قرارات الحكومة المصرية مجازفة كبيرة.
إذ توثق أحدث التقارير المعلنة عن الوضع الوبائي في مصر من قبل وزارة الصحة والإسكان تسجيل 1625 إصابة جديدة و 87 حالة وفاة، يوم أمس.
الصحة: ارتفاع حالات الشفاء من مصابي فيروس كورونا إلى 16737 وخروجهم من مستشفيات العزل والحجر الصحيالصحة: ارتفاع عدد…
Posted by وزارة الصحة والسكان المصرية on Friday, June 26, 2020
ولعل من غير المفاجئ، أن تعج صفحات التواصل الاجتماعي المصرية بالسخرية من قرارات كإعادة فتح المقاهي بطاقة استيعاب لا تتجاوز خمسة وعشرين في المائة.
كوميديا فيها الكثير من القلق المتستر خلف السخرية. و”تصعيد نفسي” لخوف قد لا يكون بيد الأشخاص شيء لمجابهته فيقررون تحويله إلى مادة لسخرية تنشر بهجة “مزيفة” لبعض الوقت.
هزرنا و ضحكنا الڤيروس لسه موجودحافظ على نفسك و على اهلك ادوات الوقاية بتاعتك زي ما هي اخر ٣ شهور نزولك للضرورة…
Posted by Asa7be Sarcasm Society on Friday, June 26, 2020
Comic made by Mahmoud Elabede
Posted by Asa7be Sarcasm Society on Friday, June 26, 2020
في تونس كما في مصر وغيرها من الدول التي قررت تخفيف إجراءات الإغلاق العام أو إلغاءه تدريجيا، يرى البعض أن القرارات المتخذة “لا علاقة لها بانحسار الوباء أو السيطرة عليه” وإنما قرارات اقتصادية بحتة.
قرارات الدولة برفع الحظر لصالح اقتصاد الدولة فقط أما انتم فمسئولون عن أنفسكم واسركم ومن فى كنفكم ورعايتكم أمام الله أحترسوا وإحترزوا لاللزيارات لاللنوادى لاللإختلاط والتخالط ولاللتجمعات لالتخفيف الحظر فى بيوتكم هناك مناطق كاملة منتشر فيها فيروس كورونا وخاصة مناطق اللاواعيه
— ⟨웃⟩ (@Ya_Ensan) June 27, 2020
تونس: سيطرنا على كورونا ونأمل بعودة السياحة في يوليو
اليونان فعلت نفس الشيء
ايطاليا ستفعل
اسبانيا كذلك
كل هؤلاء يضحون بالارواح من أجل الإقتصاد وخصوصا أنه اقتصاد سياحي بحت .
— ابتسم (@abtsm200) May 24, 2020
مش معني ان الدنيا خلاص رجعت ان معتش كورونا وان المرض انتهي مثلا لا مش كده خالص عاوزك بس قبل متعمل اي حاحه تعرف ان رجوع الحياه لطبيعتها مش علشانا لا بالعكس دي الحكومه مرجعه الحياه مش خوفا علينا دي علشان اقتصاد البلد واقع وف مشاكل اقتصاديه خليك ف بيتك وخاف علي نفسك واهلك صحتك اهم
— H.f (@HadyFouadtaha) June 27, 2020
ويدعم انعدام الثقة في الحكومات هذا التفكير.
ويؤمن كثيرون بأن قيمتهم كأفراد لا تعني الكثير أمام أرقام المعاملات الاقتصادية ومؤشرات النمو والركود.
بينما تؤكد الحكومات أن قيمة الإنسان تعلو ولا يعلى عليها.
والاجراء الأكثر إنصافا هنا هو محاولة إيجاد توازن بين الخسائر الاقتصادية والخسائر البشرية المتوقعة من الوباء، واتخاذ إجراءات تدريجية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على الجانبين.
شبح الانهيار الاقتصادي
قطاع السياحة في تونس، قطاع حيوي يعتمد اقتصاد البلاد على عائداته بشكل كبير وترتبط به قطاعات حيوية أخرى كالنقل والتجارة وغيرها.
وتتوقع الحكومة أن “اقتصاد تونس سينكمش بأكثر من 4.3% هذا العام في أسوأ ركود منذ استقلالها عام 1956 مدفوعاً بانهيار قطاع السياحة الحيوي المهدد بخسارة عائدات تصل إلى 1.4 مليار دولار”.
وهذا ما جاء في رسالتها إلى صندوق النقد الدولي والتي اطلعت عليها رويترز في منتصف أبريل/نيسان الماضي وتداولتها وسائل الإعلام المحلية.
وانهيار هذا القطاع ولو جزئيا يعني بالضرورة أزمة اقتصادية كبرى تكون بعض نتائجها الاستدانة خارجيا بشروط تقلل الدعم عن المواطنين وتثقل كاهل الفرد “لحساب مصلحة المجموعة”.
بالإضافة الى غلاء الأسعار وارتفاع نسب البطالة وتوسع الطبقات الفقيرة والأقل دخلا على حساب الطبقات المتوسطة.
هذه النتائج المتتابعة ليست خاصة بالوضع في تونس.
وانما الانكماش الاقتصادي الحاصل والمتوقع بسبب الجائحة يطال “الأغلبية الشاسعة من اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية. وسيلحق أيضا ضررا دائما بإنتاجية الأيدي العاملة والإنتاج المحتمل.” حسب دراسات مجموعة البنك الدولي.
وتشير أحدث دراسات مجموعة البنك الدولي، الشهر الماضي، إلى أن انتشار وباء كورونا عالميا سيؤدي إلى سقوط ما بين 71 مليون و 100 مليون شخص “في براثن الفقر المدقع على أساس خط الفقر الدولي، وهو 1.90 دولار للفرد في اليوم”.
وذلك اعتمادا على دراسة سيناريوهين أحدهما “أساسي”يفترض استمرار تفشي الفيروس بالمستويات المتوقعة حالياً وتعافي النشاط في وقت لاحق من هذا العام، و”سيناريو تدهور الأوضاع”، الذي يقدر ما سيحدث إذا طال أمد انتشار الوباء لفترة أطول من المتوقع.
ويقول البنك الدولي إنه “ينبغي أن تكون الأولويات الفورية للسياسات تخفيف الخسائر البشرية والتقليل من الخسائر الاقتصادية في الأجل القريب”.