انتقادات حقوقية للقبض على صحفيين مستقلين في مصر

متظاهرون أمام مقر نقابة الصحفيين المصرية يطالبون بإ|طلاق سراح الصحفيين المعتقلين، وذلك في مارس/ آذار عام 2016

Getty Images

متظاهرون أمام مقر نقابة الصحفيين المصرية يطالبون بإ|طلاق سراح الصحفيين المعتقلين، وذلك في مارس/ آذار عام 2016

كان العمل يسير بطريقة اعتيادية، داخل صالة التحرير بموقع “المنصة” الالكتروني في العاصمة المصرية القاهرة، قبل أن يقتحم ثمانية أشخاص المكان، ويستجوبوا من فيه من صحفيين وعاملين.

عرَّف المقتحمون أنفسهم بأنهم من شرطة المصنفات الفنية، وفتشوا أجهزة الكمبيوتر والحواسيب اللوحية، قبل أن يصطحبوا الصحفية نورا يونس، رئيسة تحرير الموقع، في سيارة مدنية ويغادروا المكان.

وبعد ساعات من احتجازها أمرت النيابة العامة بإخلاء سبيل نورا يونس، بكفالة مالية قدرها ١٠ آلاف جنيه مصري (625 دولارا أمريكيا).

يقول سيد تركي، رئيس التحرير التنفيذي لموقع “المنصة”، إنه لا يعلم طبيعة التهم الموجهة إلى زميلته نورا، لكنه يدرك جيدا أنها جزء من هجمة جديدة، تشنها السلطات على الصحافة المستقلة، حسب قوله.

وأوضح تركي، خلال حديثه إلى بي بي سي نيوز عربي، أن موقع “المنصة” هو أحد المواقع الصحفية المستقلة الباقية حاليا في مصر، وأنه “يقدم صوتا معارضا لا ترغب الحكومة في سماعه”.

وموقع المنصة، وفق ما هو منشور على صفحته عبر شبكة الانترنت، شركة ذات مسؤولية محدودة مسجلة في وزارة الاستثمار المصرية منذ عام 2015، ويعمل به نحو 10 صحفيين إلى جانب اعتماده على إسهام القراء، في إطار ما يعرف بـ”صحافة المواطن” وهو اتجاه جديد في الإعلام، يعتمد على روايات شهود العيان وآراء القراء والمواطنين العاديين.

أصوات مستقلة

لماذا تستمر موجة اعتقال صحفيين في مصر؟

احتجاز صحفيين جدد في مصر والعفو الدولية تتهم نيابة أمن الدولة بالتواطؤ في انتهاكات

وردا على الأنباء، التي أشارت إلى أن اقتحام موقع المنصة جاء بسبب غياب التراخيص المطلوبة لعمله، قال المحامي حسن الأزهري، الممثل القانوني للموقع، إنه سعى إلى تقنين وضعه وفق الضوابط، التي أصدرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

وأوضح الأزهري لبي بي سي أن الموقع استوفى جميع الأوراق المطلوبة، من تراخيص وموافقات من وزارة الاتصالات ووزارة الثقافة وغيرهما، للحصول على موافقة المجلس الأعلى للإعلام منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2018 .

وأضاف المحامي الحقوقي أنهم دفعوا الرسوم القانونية للترخيص، بقيمة 50 ألف جنيه (نحو 3 آلاف دولار أمريكي) ولم يتم البت في طلب الترخيص حتى الآن، بحجة عدم صدور اللوائح التنفيذية، غير أن هذه اللوائح صدرت بالفعل قبل عدة شهور، واستمرت أوراق ترخيص الموقع حبيسة الأدراج دون أن يتم البت فيها، كما يقول حسن الأزهري.

هذا ولم يصدر من السلطات أو أجهزة الأمن المصرية، أي تعليق بخصوص احتجاز الصحفية نورا يونس، حتى الآن.

واعتبرت منظمة العفو الدولية، في تغريدة عبر حسابها الرسمي على موقع تويتر، أن إلقاء القبض على الصحفية، نورا يونس، يأتي “ضمن هجوم السلطات المصرية على الأصوات المستقلة في وسائل الإعلام” حسب تعبيرها.

وطالبت العفو الدولية، السلطات المصرية، في تغريدة أخرى، بـ”السماح لها (نورا) على الفور بالاتصال بأسرتها ومحاميها، وحمايتها من أي تعذيب أو غيره من ضروب إساءة المعاملة”

سجن طرةAFP

يقبع عشرات الصحفيين في السجون المصرية بسبب عملهم، وفق منظمة العفول الدولية، بينما تقول حكومة القاهرة إنهم يواجهون تمها جنائية بحتة

حملة ممنهجة

إدارة موقع إخباري دون الحصول على التراخيص المطلوبة هي التهمة التي وجهت إلى بعض المواقع الصحفية المشابهة لموقع المنصة، الذي يعتبر أيضا أحد أبرز المواقع المحجوبة، منذ يونيو/حزيران عام 2017، في حملة شنتها السلطات على نحو 500 موقع ومدونة وصفحة عبر شبكة الانترنت.

وزُعم آنذاك أنها تروج لأفكار إرهابية ومتطرفة، وتحث المواطنين على مناهضة الدولة، التي تحاول من جانبها إعادة الأمن والاستقرار بعد سنوات من الفوضى، أعقبت أحداث يناير/كانون الثاني 011 ، ويونيو/حزيران 2013 .

ويعد اقتحام موقع المنصة واحتجاز رئيسة تحريره، نورا يونس، من قبل الأجهزة الأمنية أحدث حلقة، ضمن ما يصفه مراقبون بحملة ممنهجة على الصحفيين والصحافة المستقلة في مصر، والتي باتت محدودة جدا في ظل سيطرة الكيانات، التي أسستها الحكومة لامتلاك أسهم رئيسية في شركات الصحف الخاصة والقنوات الفضائية والمواقع الاخبارية.

واحتجزت السلطات المصرية في 15 من يونيو/حزيران الجاري الصحفي محمد منير، البالغ من العمر 65 عاما، رئيس تحرير جريدة “الديار” المستقلة، على خلفية إجرائه مداخلة هاتفية مع قناة “الجزيرة”، للتعليق على واقعة غلاف مجلة “روز اليوسف”، الذي اعتبرته السلطات المصرية “مسيئاً للكنيسة”.

ويخضع منير حاليا للحبس الاحتياطي لمدة 15 يوما، على ذمة التحقيقات.

كما ألقت قوات الأمن الشهر الماضي القبض على الصحفي “سامح حنين”، وأدرجته على لائحة الاتهام ضمن صحفيين آخرين وأحد المنتجين الفنيين، بتهمة تصوير أفلام دعائية مسيئة للبلاد، والاشتراك مع جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، وبثت اعترافات مصورة للمقبوض عليهم عبر وسائل الإعلام المصرية.

وأفرجت السلطات المصرية عن “لينا عطا الله”، رئيس تحرير موقع “مدى مصر”، في 17 من مايو/ أيار الماضي بعد ساعات من إلقاء القبض عليها أمام سجن طرة، عقب إجرائها حواراً مع ليلى سويف، والدة الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، المحبوس احتياطيا على ذمة تحقيقات جنائية. وكانت لينا تحاور سويف عن أسباب منعها من زيارة نجلها أو الاطمئنان عليه.

حرب على “الإرهاب”

وتقول الدولة المصرية إنها تخوض حربا شرسة، ضد الجماعات المتشددة في شبه جزيرة سيناء، والصحراء الغربية قرب الحدود مع ليبيا، والتي أدت إلى سقوط المئات من رجال الجيش والشرطة ما بين قتيل وجريح، كما تواجه الحكومة المصرية تحديا كبيرا بإعادة هيكلة الاقتصاد، شمل الحصول على قروض دولية وإصدرا المزيد من سندات الاقتراض الحكومية، الأمر الذي يستتبع محاولة لضبط المشهد الاعلامي، وعدم السماح بالأصوات التي تشكك في قدرة الدولة على البناء، والتنمية ومواجهة الإرهاب.

وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن “الصحافة في مصر أصبحت تعتبر جريمة، مع وجود ما لا يقل عن 37 صحفيا داخل السجون، 20 منهم بسبب عملهم مباشرة”

وتنفي السلطات المصرية هذا الاتهام تماما، وتقول إن جميع الصحفيين السجناء مقبوض عليهم في قضايا جنائية بحتة، وليس بسبب ما يكتبونه من آراء، ولا بسبب عملهم الصحفي في حد ذاته مهما كان اتجاههم.

ووفقا لتقرير منظمة مراسلون بلا حدود فقد احتلت مصر المركز رقم 166، في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره المنظمة سنويا.