
لم يأت ” اللقاء الوطني المالي ” الذي انعقد في قصر بعبدا بأي مفاجأة سوى مشاركة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع المناهض للعهد، والذي اغتنم فرصة وجوده في القصر ليعتلي المنبر الرسمي، وليعلن :” أننا لن نسير بالخطة قبل أن تظهر الحكومة جديتها في سد مزاريب الهدر في الدولة” ، مصوّباً على السياسات الخاطئة للعهد قائلاً :” لا نؤيد سياسات العهد ولم نرَ أي خطوة عملية تدل على أن هذه الدولة مختلفة عن سابقاتها “.
وكان جعجع القطب الوحيد من المعارضة غير الممثلة في الحكومة الذي حضر إلى بعبدا في ظل غياب رئيس ” تيار المستقبل ” سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، كما غاب رئيس ” تيار المردة ” سليمان فرنجية على الرغم من كونه ممثلاً في الحكومة نظراً لخلافات تسود العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس ” التيار الوطني الحر ” جبران باسيل.
ولدى سؤال جعجع عن سبب حضوره وحيداً من دون حلفائه قال ” لم أترك حلفائي ولكن كل منا لديه مقاربة للأمور “، مضيفاً ” كلّ فريق في المعارضة يعارض على طريقته ولم نتوصل إلى تشكيل جبهة واحدة”.ولدى سؤاله إن كانت مشاركته هي للإطلالة من على منبر القصر أجاب :” منبر القصر الجمهوري هو قصر الشعب ولجميع اللبنانيين وهذه المؤسسة الدستورية الأولى ومن الطبيعي أن نتواجد هنا “.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون ترأس اللقاء الذي ميّزته مشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري فيما باقي المشاركين هم من مكوّنات الحكومة التي شاركت في إعداد الخطة الإصلاحية .وخُصّص هذا الاجتماع بحسب البيان الختامي ” لعرض خطة التعافي المالي التي أقرتها الحكومة بالإجماع في جلسة لمجلس الوزراء بتاريخ 30/4/2020، وبعد أن أعلنت الحكومة تعليق سداد الديون المتوجبة على الدولة اللبنانية، وفي ظل أزمة مالية ونقدية معقّدة ليست وليدة اللحظة، إنما هي نتاج تراكمات متتالية في الزمن، اعتمدت اقتصاد الريع وأغفلت اقتصاد الإنتاج”.وأضاف البيان ” بعد التداول ومناقشة المحاور الأساسية لخطة التعافي، رحّب المجتمعون بالخطة كإطار عام يتكوّن من محاور عدة ترتكز على إعادة هيكلة الدين العام وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المالية العامة، توازيها خطة لتحفيز ونمو القطاعات الإنتاجية الاقتصادية وخطة لشبكة الأمان الاجتماعي، يضاف إلى ذلك التزامات معنية بمكافحة الفساد واستئصاله، مع الأخذ بعين الاعتبار تجنيب الفئات الأقل مناعة تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية وحماية أموال المودعين في المصارف.
كما أكد المجتمعون، أنه بغية إستعادة الثقة على المستويات كافة، يتوجب وضع برنامج عمل لهذه الخطة، يتضمن إصدار نصوص تشريعية وتنظيمية وقرارات تنفيذية وآليات لمعالجة ثغرات متراكمة و إقرار إصلاحات بنيوية وهيكلية ووضع خطة لمعالجة غلاء المعيشة وضبط ارتفاع الأسعار وحماية المستهلك والحرص على وضع هذه الخطة موضع التنفيذ على المديين القصير والمتوسط.
وفي هذا السياق توافق المجتمعون على ضرورة التخفيف من قلق المواطنين وأن هناك ضرورة لإنجاح الخطة ولارتضاء التضحيات التي تستلزم والتي تبقى على صعوبتها، أقل حدة من تداعيات انهيار اقتصادي ومالي شامل، وهذا يتطلب اتحاداً وطنياً ووعياً عميقاً وحواراً مع القطاع الخاص، لا سيما القطاع المصرفي لما يهدّد وجود وكيان وهوية لبنان الاقتصادية المنصوص عنها في مقدمة الدستور.
وطالب المجتمعون المجتمع الدولي والصناديق والمؤسسات الدولية المالية بالوقوف إلى جانب لبنان في تحمّل أزماته المتراكمة التي يعاني منها لا سيما أزمة النازحين السوريين وتداعياتها واستنزافها القطاعات الأساسية، بما فيها الصحة العامة والتربية الوطنية والبنى التحتية، إضافة إلى تداعيات جائحة الكوفيد 19 في ظل أزمة مالية ونقدية واقتصادية صعبة جداً. و أعرب رئيس تكتل “الجمهورية القوية” عن اعتراضه على البيان”.
وكان الرئيس عون استهل الاجتماع برؤساء الكتل النيابية بكلمة جاء فيها :” هذا اللقاء ليس الأول من نوعه، بل سبق ودعوت إلى لقاءات مماثلة، عندما واجهتنا قضايا وتحديات أساسية، احتاجت مقاربتها إلى توافق وطني “.وسأل ” هل من مراحل وحقبات عاشها لبنان أشد إلحاحاً وحاجة إلى مثل هذا التوافق، كما هي الحال اليوم؟ “.وأضاف:” ليس الإنقاذ الذي نسعى إليه مسؤولية طرف واحد، أو جهة سياسية واحدة، أو سلطة واحدة؛ فالخروج من النفق المظلم الذي نعبر فيه، هو مسؤولية الجميع.أقول هذا الكلام بداية لأن الوهن الكبير والخطير الذي أصاب بنية وطننا الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية يفرض علينا أقصى درجات الشفافية وأيضاً أقصى درجات الاتحاد، في ظل أزمة نزوح طالت من دون أفق وتفاقمت تداعياتها على المستويات كافة، وفيروس “كورونا” استجد وزاد من انسداد شرايين اقتصادنا ونموّنا العليل، وانكماش اقتصادي قاس، وتراجع الطلب الداخلي والاستيراد، كما التصنيع وتصدير المواد والخدمات، ونقص حاد في العملات الأجنبية المتداولة، وارتفاع مخيف لمعدلات البطالة والفقر، وارتفاع متفلت من أي ضابط لأسعار السلع على أنواعها، وتهاوي سعر صرف عملتنا الوطنية، وتراجع الإيرادات الضريبية وانحسار ضماناتنا الاجتماعية”.
وتابع عون:” الأزمة المعقدة هذه ليست وليدة اللحظة، وهي نتاج تراكمات متتالية في الزمن، وسياسات وممارسات خاطئة اعتمدت اقتصاد الريع وأغفلت اقتصاد الإنتاج، كما حذّرنا منه في 48 موقفاً علنياً منذ تولي سدة الرئاسة، كما فضلت الربح السريع على الربح المألوف ولكن الدائم، والذي يأتي من قطاعات الإنتاج والخدمات والمعرفة”.
أما رئيس الحكومة حسان دياب فقال :” لطالما كان الحوار هو الوسيلة الأسلم لتفكيك المشكلات، ولإزالة الالتباسات، وتعبيد الطرقات وفتح الجسور.أما عندما تكون هناك قضايا وطنية، فإن الحوار يصبح ضرورياً لتوحيد الرؤية وتمتين الصفوف في مواجهة التحديات الوطنية.
نحن اليوم نعبر نفقاً طويلاً، يمكننا بالحوار أن نجعله مضيئاً، فيخفّف عن اللبنانيين ظلام الظروف الصعبة التي يعيشونها. ويمكننا أن نلعن العتمة، لكن شيئاً لن يتغير في معاناة اللبنانيين.
لقد خاضت الحكومة في ثلاثة أشهر، تحديات كبيرة وضخمة، لكنها كانت مصرة على معالجة الواقع المالي والاقتصادي، خصوصاً في ظل واقع ضاغط على كل المستويات. فاللبنانيون صاروا عاجزين عن الحصول على أموالهم في المصارف، في حين تمكن محظيون من تحويل أموالهم إلى الخارج، بينما كان سقف الدين العام قد بلغ مستوى لا يمكن للدولة أن تستمر بالتعامل معه بمنطق التأجيل وقذف المشكلة إلى الأمام”.
وأضاف دياب :” لا مجال للمزايدات اليوم، ولا مكان لتصفية الحسابات، ولا يفترض فتح الدفاتر القديمة في السياسة. اليوم نحن هنا، في هذا الواقع المظلم، سيكون تبادل الاتهامات مكلفاً للجميع، وعلى وجه الخصوص للبنانيين الذين ينتظرون من قياداتهم السياسية أن تتحمل مسؤولياتها، ويطالبون الحكومة بوضع خطة لإخراجهم من هذا النفق.الوقت ضيق، واللبنانيون يراقبون كل خطوة. لم يعد اللبنانيون يتفاعلون مع الأحداث فقط، بل أصبحوا هم الذين يصنعون الحدث. أمسك اللبنانيون زمام المبادرة، وهم أصبحوا شركاء في القرار، ويضغطون للمحاسبة، بل ويحاسبون على كل صغيرة وكبيرة”.