
تواجه الحكومات عبر العالم تحديات لم تعرفها من قبل بسبب تفشي فيروس «كوفيد – 19»… من النظام الصحي، الكمامات، أجهزة التنفس، الأسرّة، مستشفيات عاملة، مواد للتطهير، تسليم الأغذية، تأمين الاتصالات وسرعة الإنترنت، تنظيم رحلات لإعادة المواطنين إلى بلادهم، تشكيل مراكز اتصال هاتفي تابعة للدولة لإعطاء النصائح أو تلقي الشكاوى أو للتبليغ عن مخالفات أو طلب للمساعدة، وتحديات أخرى لا تُعد ولا تحصى.
وسيتخطى عدد الإصابات في العالم بين جميع مَن تعرضوا للفحص فقط – وليس كل مَن أصيبوا – أكثر من مليون شخص في نهاية الأسبوع الحالي، وهو الرقم المعلَن، ليقترب أيضاً عدد الوفيات من 40 ألفاً، وهو رقم ضئيل بالنسبة لما تفعله فيروسات أخرى في الإنسان في كل موسم شتاء.
ففي بريطانيا، تجنّدتْ الحكومة لإعادة مواطنيها من كل أنحاء العالم: نحو 150 ألفاً من إسبانيا، و8000 من المغرب و5000 من قبرص. وطالبت دول العالم بالتنسيق لإعادة مواطنيها إلى بلادهم.
ويتلقى مركز الاتصالات التابع لخلية الطوارئ أكثر من 15 ألف اتصال يومي، منهم مَن يبلّغ عن جيرانه لخروجهم لممارسة الرياضة أكثر من مرة واحدة، أو للإبلاغ عن تجمّع يشمل أكثر من أفراد العائلة في الحديقة الخلفية ليضمّ أصدقاء العائلة بما يشكل مخالفة لتوصيات الحكومة.
ويؤكد مركز تلقي الاتصالات المتخصصة بالفيروس فقط في بلجيكا، إنه يجيب على نحو 7000 اتصال يومياً وفي بعض الأيام 10 آلاف للإبلاغ عن عوارض الفيروس والحاجة إلى طبيب ليكشف على المصابين أو لنقلهم إلى المستشفى لأن حالة المريض تسوء يومياً.
وتعْرض بلجيكا إرشادات كانت الحكومات قد اتبعتها منذ أكثر من قرن – عام 1918 – عندما أصيب العالم بـ «الانفلونزا الإسبانية» التي يُعتقد أنها بدأت تنتشر بين جنود أميركيين إبان الحرب العالمية الأولى.
وكانت الإرشادات حينها هي نفسها التي تطالب الحكومات مواطنيها باتباعها اليوم، لجهة العزل واعتماد حمية غذائية متوازنة ومغذية وإعطاء الأولوية للنظافة المنزلية. وقد توفي 20 – 50 مليون شخص بـ «الإنفلونزا الإسبانية»، بينما لم تصل بعد أعداد المتوفين بفيروس كورونا المستجد إلى 40 ألفاً.
أما لعبة الأرقام فيجب الابتعاد عنها. فقد اتفق جميع العلماء على أن 85 في المئة من المُصابين لا يظهرون أي عوارض. ولذلك فإن الأرقام التي نشاهدها اليوم تتعلق بعدد الوفيات في المستشفيات وليس في المنازل أيضاً لأن أوروبا تحوي عدداً كبيراً من المسنّين. ولا يشمل عدد المصابين إلا مَن خضعوا للفحص وليس مَن ظهرت عليهم عوارض طفيفة أو لا عوارض أبداً.
ويجب عدم المقارنة بين «الإنفلونزا الإسبانية» أو أي فيروس يعرفه العالم ولم يجد له دواء (ايبولا أو سارس – 1 أو غيرهما) لأن الزمان وقدرة التعامل الطبية اختلفا.
واليوم التحدي الذي يشكله «كوفيد – 19» هو محاولة العالم – بفرض منع التجول – إبطاء انتشاره وليس منعه لأن من المستحيل وقْفه. وإبطاء الانتشار يعطي فرصة للمستشفيات للتعامل مع عدد مقبول من المصابين والحالات الحرجة ليس إلا، وإعطاء هؤلاء فرصة أكبر للاهتمام بهم.
بالإضافة إلى ذلك، نرى أن ألمانيا اتخذت قراراً مُغايِراً عن بقية أوروبا بالإعلان فقط عن وفيات الفيروس، وليس عن أعداد المتوفّين نتيجة فشل كلوي أو التهاب الرئة قد يكون الفيروس تَسَبّب بهما. ولهذا نرى أن عدد المصابين في ألمانيا – التي تجري فحصاً لجميع سكانها تدريجياً – قد يتجاوز الـ 70 ألفاً، إلا أن عدد الوفيات المعلن بـ «كورونا» فقط وصل إلى 700 تقريباً، وهذا يعني فقط أن واحد في المئة من المصابين، فارقوا الحياة.
وتدعو أوروبا سكانها إلى اتباع الإرشادات والبقاء في المنزل للسماح لها بالتعامل مع الحالات الحرجة تدريجياً وليس لتخويفهم من آثار الفيروس. فقد فارق الحياة – بحسب الإحصاءات حتى اليوم – نحو 12500 شخص منذ بداية هذه السنة من الإنفلونزا العادية، ونحو 76 ألفاً أثناء الولادة و416 ألف شخص من الإيدز وأكثر من مليونين من السرطان ونحو سبعة ملايين من التدخين و620 ألفاً من الكحول و265 ألفاً من حالات الانتحار.
… إنه الفيروس «كوفيد – 19» سريع الانتشار الذي وضع العالم أمام تحدٍّ فريد من نوعه لم يجابهه قط. إنه فيروس قاتل ولكن ليس أكثر فتكاً من غيره. وسيأتي يوم قريباً جداً تطلب فيه الحكومات – عندما تسيطر على الموقف وتتحضر لاستقبال عدد كبير من المصابين دفعة واحدة وهي تملك الأقنعة اللازمة للفريق الطبي وللعامة – من الشعوب التعايش مع «كورونا» مثل غيره من الفيروسات الموجودة والتي نعيش معها منذ زمن. وهذا الوقت لن يكون بعيداً، بل أقرب مما يتصوّره الناس. إنها مسألة أسابيع وليست أشهر لإعادة عجلة الحياة بتدابير أكثر حذراً حتى ولو وُجد الدواء السنة المقبلة وليس قبل ذلك.
الراي – بروكسيل – ايليا ج. مغناير