استمرت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء لبنان لليوم الثالث على التوالي، السبت 19 أكتوبر/تشرين الثاني 2019، حيث عبَّر المتظاهرون عن غضبهم من الأزمة الاقتصادية العميقة والفساد المستشري في البلاد.
يبدو أن القرار الذي اتُّخذ يوم الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول، بفرض ضرائب على المكالمات عبر تطبيقات مثل واتساب كان بمثابة القشة الأخيرة بالنسبة للعديد من المواطنين، الذين شعروا أن الحلول التي اقترحتها الحكومة للأزمة غير فعالة، وتُسبب المزيد من الضرر للناس العاديين.
على الرغم من أن الحكومة تراجعت منذ ذلك الحين عن اقتراحها بشأن الضريبة الجديدة في أعقاب حالة الاستياء العام، ظلَّ عشرات الآلاف من الأشخاص ينظمون احتجاجات في جميع أنحاء البلاد يوم الجمعة، مما يثبت أن سبب غضبهم أعمق بكثير مما يسمى بضريبة مكالمات واتساب، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
فلماذا يخرج الشعب اللبناني إلى الشوارع؟
الأزمة الاقتصادية
لحقت أضرار كثيرة بالاقتصاد اللبناني من جراء الجمود السياسي المتكرر في السنوات الأخيرة، فالموارد المالية الحكومية منهكة بفعل قطاع عام متضخم، وتكاليف خدمة الديون ودعم الدولة لمُنتِج الطاقة.
من جهتها، خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في الآونة الأخيرة التصنيف الائتماني السيادي للبلاد، والذي يصل إلى 86 مليار دولار -أكثر من 150% من الناتج المحلي الإجمالي– لتكون ضمن الدول غير القادرة على أداء خدمة ديونها.
في الثاني من سبتمبر/أيلول 2019، أعلن لبنان حالة طوارئ اقتصادية، متعهداً بتسريع الإصلاحات المالية العامة، في اعتراف بالوضع المالي الذي يعاني منه البلد.
لكن اقتراح الحكومة الأخير بتدابير التقشف وزيادة الضرائب أغضب المواطنين الذين يتهمون السياسيين بالفساد والسرقة، وتركهم يعانون من ارتفاع معدلات البطالة.
وتسببت الأزمة في ارتفاع سعر الصرف غير الرسمي إلى 1600 ليرة لبنانية مقابل دولار أمريكي واحد، أي بزيادة حوالي 100 ليرة عن سعر الصرف الرسمي المربوط بـ1507.5 ليرة لبنانية.
ضريبة على واتساب
نظراً لأن الحكومة اللبنانية تتطلع إلى زيادة الإيرادات في ميزانيتها لعام 2020، فقد قرَّرت يوم الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول، فرض رسوم على المواطنين بقيمة 0.20 دولار يومياً على المكالمات الصوتية، عبر بعض التطبيقات على الإنترنت مثل واتساب وفايبر.
وكان من شأن هذه الخطوة أن تفرض على المستخدمين 6 دولارات شهرياً، بالإضافة إلى فواتير الاتصالات المرتفعة بالفعل. جدير بالذكر أن لبنان به بعض أعلى الأسعار نظير خدمة شبكات المحمول في العالم.
إلى جانب قائمة المشكلات في البلاد -الأزمات البيئية الطويلة الأمد، ونقص المياه والكهرباء، والبنية التحتية المتهالكة ونقص الخدمات الحكومية– هناك أيضاً التوزيع غير المتساوي للثروات في لبنان.
فوفقاً لصحيفة الأخبار اللبنانية، فإن أغنى 1% من المواطنين يملكون 58% من ثروة لبنان، في حين أن أفقر 50% يملكون أقل من 1%.
في بلد سيئ السمعة لكونه ملاذاً مالياً للأثرياء، فإن فرض ضرائب على التكنولوجيا التي تستخدمها جميع شرائح المجتمع هو أمر لا يمكن تقبله.
حرائق الغابات
في وقت سابق من هذا الأسبوع، اندلع أكثر من 100 حريق بالغابات في جميع أنحاء لبنان، وتعرضت الحكومة لانتقادات شديدة لكونها غير مستعدة للتعامل مع الوضع.
وتساءل المواطنون عن سبب عدم إجراء الصيانة الدورية لثلاث من طائرات الهليكوبتر المخصصة للطوارئ في البلاد، منذ شرائها عام 2009، بتكلفة قدرها 13.9 مليون دولار.
وقال مصدر بوزارة الداخلية لصحيفة The Daily Star المحلية: «البلاد تعاني عجزاً، لا يوجد مال في الخزانة، لا توجد أموال لإجراء الصيانة».
بدلاً من استخدام طائرات الهليكوبتر لمكافحة الحرائق، تم نشر طائرات الهليكوبتر التابعة للجيش اللبناني وفرق الدفاع المدني لمكافحة الحريق، في حين أرسلت قبرص والأردن واليونان طائرات للمساعدة.
واضطر الدفاع المدني لاقتراض سيارات مكافحة الشغب المثبّت بها مدافع المياه لمكافحة الحرائق في منطقة جبال الشوف.
لم يتقبل الجمهور اللبناني هذه الخطوة جيداً، إذ انتقدوا الحكومة لإبقائها على هذه المركبات في أفضل حالة لاستخدامها ضد المواطنين أثناء الاحتجاجات، بدلاً من ضمان عمل المعدات التي تنقذ حياة الأشخاص مثل مروحيات مكافحة الحرائق.
الخبز والوقود والدواء
تفاقم القلق الاقتصادي في الآونة الأخيرة مع تراجع الليرة اللبنانية المرتبطة بالدولار الأمريكي.
تحاول البنوك الاحتفاظ بما لديها من دولارات، إذ يكافح المواطنون اللبنانيون والمقيمون لسحب العملة من حساباتهم المصرفية.
على صعيد آخر، حذَّر أصحاب المطاحن في لبنان، الذين يستوردون القمح بالدولار الأمريكي، الشهر الماضي، من انخفاض مخزون القمح إلى مستوى خطير، وأن البلاد قد تواجه أزمة إمداد ما لم يجرِ توفير الدولار بالسعر الرسمي.
وقال تجمع أصحاب المطاحن إن مشكلة توفير الدقيق إلى المخابز بالسعر الرسمي لليرة اللبنانية تتمثل في أن التحويل من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأمريكي أصبح مكلفاً للغاية.
ودفع ذلك أصحاب المطاحن إلى إصدار فواتير بالدولار، مما أدى إلى زيادة سعر الصرف على المخابز، نتج عنها إضراب الأسبوع الماضي.
وعلق أصحاب المخابز إضرابهم بعد أن وعدهم رئيس الوزراء سعد الحريري في اجتماع بحل المشكلة.
لم تقتصر الأزمة على أصحاب المطاحن فقط، بل أضرب موزعو الوقود أيضاً عن العمل الشهر الماضي، لأن النقص في الدولارات بسعر الصرف الرسمي أجبرهم على دفع ليرات أكثر في الصرافات.
وهدَّد قطاع الصناعة الدوائية مؤخراً باتخاذ خطوات غير محددة إذا لم يجر تسوية أزمة الدفع بالدولار.