
لا شك أن المعركة الانتخابية في دائرة الشمال الثالثة (البترون والكورة وبشري وزغرتا) هي معركة الترشح لرئاسة الجمهورية. وهذا ما يجعلها أشرس المعارك، وخصوصاً بين الزعامات والمناطق “المارونية” الثلاث: البترون وبشري وزغرتا.
دائرة رؤساء الجمهورية
وُضع النظام الانتخابي الحالي، وتحديداً لناحية اعتماد نسبة الصوت التفضيلي (قسمة الصوت التفضيلي للمرشح على مجمل الأصوات التفضيلية في الدائرة الصغرى) لتوزيع المقاعد على اللوائح الفائزة.. وُضع خصيصاً ليتوافق مع دائرة الشمال الثالثة، حيث يترشح رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل. وقد قامت انتخابات العام 2018 على توازنات دقيقة بين القوى السياسية والزعامات المحلية، ولا سيما في تلك الدائرة التي تشهد تحولات كبيرة. فقد اكتشفت القوى السياسية أحجامها الحقيقية من خلال الأصوات التفضيلية. واستفاقت على أن بعض القوى تجعل من الأخرى مجرد حصان للفوز بالمقعد النيابي. وما يزيد من التعقيدات أنه حتى حصول المرشح الواحد على أعلى الأصوات التفضيلية في الدائرة الصغرى لا تضمن له الفوز بالمقعد النيابي، كما حصل مع مرشح القوات اللبنانية فادي كرم في دائرة الكورة. ما يصعب التحالفات حتى بين القوى المتجانسة سياسياً. وبعيداً من هذه الدائرة (وهي دائرة رؤساء الجمهورية)، النظام الانتخابي نفسه يثير الريبة ليس بين الأخصام السياسيين التقليديين، بل حتى بين حلفاء الصف الواحد العازمين على تشكيل لوائح ائتلافية.
معوض-التيار
هكذا اكتشف الوزير السابق بطرس حرب أنه بأصواته التي زادت عن الستة آلاف صوت، كان مجرد رافعة للائحة المردة للحصول على المقعد الرابع في الدائرة الكبرى، ومثله ملحم طوق (على اللائحة عينها) ما يجعل خيار انتقاء الحليف في الانتخابات المقبلة مغايراً، عن العام 2018.
على ضفة لائحة التيار الوطني الحر بات محسوماً خروج النائب ميشال معوض (نحو 8500 صوت) وخسارة الصوت السنّي في الكورة الذي تلقاه من تيار المستقبل. ما يجعل من لائحة باسيل في حال تلقت الدعم من جزء من الحزب القومي في الكورة تنافس على المقعد الثاني لكن بصعوبة، خصوصاً أن الحصة الأكبر من القومي في الكورة ستكون لصالح طوني فرنجية. كما الثنائي الشيعي، رغم قلة الأصوات الشيعية (نحو 1500 صوت)، سيكون أمام خيار من إثنين: إما دعم فرنجية أو باسيل.
القوات-الكتائب
على مستوى القوات اللبنانية بات محسوماً خروج حزب الكتائب من اللائحة وخسارة نحو 2500 صوت نالها مرشح الكتائب عن البترون سامر سعادة، إضافة إلى أصوات الكتائب في الدوائر الثلاث المتبقية. وفي حال حافظت القوات على أصواتها ستكون مؤهلة للفوز بالمقاعد الثلاثة الحالية.
17 تشرين
لكن هناك تبدل في المزاج الشعبي في هذه الدائرة الكبرى، وخصوصاً في بشري، وستكون مفاجئة للجميع، وفق ما تؤكد قوى 17 تشرين، التي بدأت تعد العدة لخوض الانتخابات، وتقوم بجولات على المناطق لجس النبض. حتى أنها ستعلن عن تشكيل جبهة معارضة بعنوان “شمالنا” تضم القوى الشبابية في الأقضية الأربعة. وستقوم لاحقاً باختيار المرشحين من خلال مناظرات عامة بينهم، وتكون في ذلك على تماس مع المواطنين، وتعطي مثلاً عن العمل الديموقراطي، في دائرة يتصارع ويتحالف فيها الاقطاع السياسي والحزبي.
وستخوض هذه المجموعة الانتخابات معولة على تغير المزاج الشعبي العام في البلد بعد 17 تشرين وهي في طور إعداد التصور حول الإمكانيات المتاحة أمامها في خرق باقي اللوائح. وبات لديها أسماء للترشح في الدوائر، ومن ضمنها الإعلامي رياض طوق في بشري وشخصيات أخرى يسارية أو مقربة من القوميين والقوى المسيحية، كي تفوز بحاصل انتخابي. المطلعون على التحضيرات الانتخابية يؤكدون أن معركة هذه الدائرة ستشهد تغيرات كبيرة، خصوصاً أنهم بدأوا يلتمسون بالمباشرة دعم المواطنين في القرى لقوى جديدة.
بهاء الحريري-حرب
ومثل باقي الدوائر دخلت مجموعة بهاء الحريري “سوا للبنان” على خط وراثة تيار المستقبل وأرث رفيق الحريري في هذه الدائرة، وتحديداً في الكورة، حيث بلدة الشهيد وسام الحسن. ووفق مصادر مطلعة بدأ منسقون في المستقبل بالتعاون مع مجموعة الحريري لتشكيل رافعة انتخابية للائحة تحت شعار ساحة رفيق الحريري ليست سنّية، بل يجب العمل على دعم مرشحين مسيحيين وشيعة ومن مختلف الطوائف. وثمة تواصل مع نجل بطرس حرب مجد حرب لتبني ترشيحه في البترون في محاولة لاسقاط جبران باسيل.
معركة إسقاط باسيل قد تلقى دعم حتى من مجموعات شبابية معارضة وليس فقط من القوى التقليدية. والفكرة تقوم على حشد كل المعارضين في البترون لتجيير الأصوات لمرشح واحد، يكون الأوفر حظاً، مجد حرب، كونه ينطلق من عدد أصوات أكثر من غيره. وفي هذه الحالة يفوز حرب ومرشح القوات فادي سعد، الذي يمتلك أصواتاً أكثر من باسيل. فالأخير تآكلت شعبيته حتى في البترون المدينة، وهذا غير خسارة الأصوات السنّية التي حظي بها في العام 2018.
لكن المسألة تحتاج إلى إقناع حزب الكتائب بعدم ترشيح سامر سعادة في البترون وتجيير الأصوات لحرب، بمقابل دعم الحريري ترشيح سعادة في طرابلس. وبما أن تحالف الكتائب وميشال معوض ثابت في هذه الدائرة، وهناك تواصل من قبلهم مع حرب، قد تفضي المفاوضات إلى تشكيل لائحة عمادها معوض والكتائب وحرب والحريري للمنافسة على أكثر من مقعدين في الدائرة، وخصوصاً في حال تم إقناع طوق بالانضمام إليها.
تبادل أصوات في طرابلس
ووفق المعلومات، سيدعم بهاء الحريري مرشحاً أرثوذكسياً في الكورة (رئيس بلدية) يستطيع حصد أصوات مسيحية على ضفاف القوات والعونيين والكورانيين المستقلين، يضاف إليها أصوات من آل مكاري، التي يطمح إلى تجييرها للائحة ميشال معوض. فهناك تواصل “استراتيجي” بين معوض وفريد مكاري في هذا الشأن، كما تقول المصادر.
وفي حال سار الكتائب بهذا الخيار سيحصل سعادة في طرابلس على دعم الحريري هناك، أي سيتم تبادل للأصوات بين الدائرتين. هذا فضلاً عن أصوات الكتائب التي يكسبها من مصاهرة سامي جميل لطرابلس. ففي هذه الدائرة يعتبر المقعد الماروني من المقاعد الضعيفة بينما المقاعد السنية قوية وتتنازعها كل القوى السنية. ما يعني أن فوز لائحة مدعومة من بهاء بحاصل انتخابي، قد يجعله يؤول إلى المقعد الماروني أو الأرثوذكسي الضعيفين.
وليد حسن – المدن