فاقم انفجار مرفأ بيروت الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان منذ سنوات، ورسّخ الفساد السياسي والمحسوبية رغم أن الكثيرين علّقوا آمالهم على الحادث المأساوي علّه يحدث الإصلاحات الضرورية اللازمة لإنقاذ البلاد من انهيار كلّي.
ويرزح لبنان منذ أواخر 2019 تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة، أدت إلى انهيار مالي وتدهور القدرة الشرائية لمعظم سكانه، فضلا عن شح في الوقود والأدوية وغلاء في أسعار السلع الغذائية، فيما تقف الخلافات السياسية عائقا أمام تشكيل حكومة إنقاذ.
ورغم ذلك يرى محلل السياسات الخارجية الأميركي ألكسندر لانجلويس أنه لا تزال هناك فرصة لاستخلاص العبر من درس الكارثة، إذا ما زاد قادة العالم من انخراطهم، واستمر الشعب اللبناني في المطالبة بالتغيير خلال الأشهر القادمة.
ويقول لانجلويس في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأميركية، إنه بالنظر إلى لبنان بعد مرور الذكرى الأولى للانفجار الهائل الذي وقع بمرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الماضي، يتضح أن النخبة السياسية قادت البلاد إلى الهاوية، لكن لا تزال هناك فرصة لإحداث تغيير إيجابي.ألكسندر لانجلويس: الإصلاح الحقيقي يكون بقطع الصلة بين اللبنانيين والمحسوبية
وواصل الاقتصاد اللبناني خلال العام الماضي مسيرة الانهيار. وحذر البنك الدولي مؤخرا من أن كل مقياس اقتصادي يشير إلى كارثة. فقد وصلت قيمة الليرة في السوق السوداء إلى 18325 ليرة لكل دولار. ووصل معدل البطالة إلى 40 في المئة.
وأصبح نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، كما أن ما يقرب من 78 في المئة من الأسر، وكذلك 99 في المئة من عائلات اللاجئين السوريين لم تعد قادرة على تحمل تكاليف الطعام. وتراجعت واردات الدولة، التي تعتمد على الاستيراد، بنسبة 45 في المئة، لأسباب من بينها الدمار الذي حل بالمرفأ.
وحذّرت المنظمة الدولية للهجرة الثلاثاء من أن 120 ألف عامل مهاجر باتوا بحاجة ماسة لمساعدات إنسانية في لبنان جراء الانهيار الاقتصادي المتسارع الذي ينهش البلاد.
وأظهر مسح أجرته المنظمة أن أكثر من 50 في المئة من العمال المهاجرين لا يستطيعون تأمين حاجتهم من الغذاء، ما يجبر بعض العاملات على القيام بأعمال يتعرضن خلالها للإهانة والاستغلال أو حتى بأعمال “غير قانونية”.
وأفادت المنظمة عن زيادة في “الممارسات الاستغلالية” التي يتعرض لها المهاجرون مثل عدم دفع الرواتب أو الفصل التعسفي أو خرق العقود من قبل أصحاب العمل.
وغالبية العمال المهاجرين في لبنان من النساء اللواتي يحملن تصاريح عمل ويتحدر القسم الأكبر منهنّ من إثيوبيا والفلبين وبنغلاديش. وقد غادر الكثير منهم خلال العامين الماضيين بعدما باتوا عاجزين عن نيل رواتبهم بالدولار.
ويقول لانجلويس إن قادة العالم أضاعوا فرصة لدعم الشعب اللبناني والوحدة المجتمعية التي أعقبت انفجار بيروت، وإنه بينما انكفأ اللبنانيون على أنفسهم يداوون أحزانهم على أحبائهم ومنازلهم ومدينتهم المحبوبة، كان قادتهم والعالم ينظرون إلى حد كبير بلا مبالاة.
ففي الوقت الذي كان يطالب فيه الشعب بالإصلاح والثورة، اختارت النخب اللبنانية إعادة تسمية سعد الحريري في أكتوبر الماضي لتشكيل حكومة جديدة مع وعود بتنفيذ إصلاحات، رغم أن الكثير من اللبنانيين الذين خرجوا في احتجاجات وأجبروه على الاستقالة قبل عام واحد. وظل الحريري، الذي يمثل النخبة السياسية، يخوض معارك مع الرئيس ميشال عون والأحزاب السياسية الرئيسية في لبنان من أجل تشكيل الحكومة لما يقرب من عشرة أشهر قبل أن يستقيل بعد فشله في التوصل إلى اتفاق.
وبعد ذلك، تم اختيار رجل الأعمال الملياردير نجيب ميقاتي لشغل المنصب، بينما يواجه نفس التحديات. وكالعادة، فإن الصراع على السلطة، باعتباره وسيلة للبقاء، أهم من البلاد والعباد.
ولم تؤد التحقيقات في انفجار المرفأ إلى نتائج تذكر، بل يواجه القضاء اللبناني ضغوطا سياسية كبرى تحول دون استكماله التحقيق، وتسعى لتوجيهه لحماية سياسيين وأشخاص نافذين تتجه إليهم أصابع الاتهام ومن بينهم عناصر من حزب الله كانوا يتحكمون في سير عمل المرفأ.
وفي ذكرى الانفجار، خرج اللبنانيون من جميع الطوائف إلى الشوارع للاحتجاج على البطالة والفساد والمطالبة بكشف حقائق الانفجار، ومعبرين عن رفضهم لهياكل السلطة. ولكن للأسف، قوبلت الاحتجاجات التي قادتها عائلات ضحايا انفجار المرفأ بالهراوات والغاز المسيّل للدموع.
ويرى لانجلويس أن كل ما حدث في لبنان يعكس تماما الأزمة الجارفة التي يواجهها البلد اليوم. فالحكومة غير مهتمة إلى حد كبير بالمساءلة لأن الأطراف السياسية تدرك أن الإصلاح سيقوض مصالحها وسلطتها.
ويشير المحلل الأميركي إلى أن الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية ساهمت في المشكلة بعدما أخفقت في التعامل معها بالشكل الصحيح، مضيفا أنه يبدو أنه ليس لدى الولايات المتحدة سياسة واضحة تجاه لبنان.
ويؤكد أن دول الخليج العربية ابتعدت إلى حد كبير عن لبنان في السنوات الماضية، بينما تواصل إيران دعم حزب الله. وتبدو فرنسا هي الأكثر اهتماما بتحقيق الاستقرار في البلاد اليوم، رغم أن جهودها اقتصرت على مؤتمرات المانحين والدعوات المتكررة للإصلاح، والتي يتم تجاهلها إلى حد كبير. ولا تزال بعض الجهود الجارية لمعاقبة السياسيين الفاسدين داخل لبنان وتجميد الأموال في سويسرا والاتحاد الأوروبي غير كافية.
كما أنه بإمكان المجتمع الدولي مساعدة الجزء الأكبر من البلاد وفي الوقت نفسه تقويض شبكات المحسوبية الطائفية العميقة التي تدعم الأحزاب السياسية في لبنان، من خلال تقديم المساعدة للبنانيين في صورة خدمات مثل الرعاية الطبية والصرف الصحي والغذاء.
لبنان في حاجة إلى تقويض شبكات المحسوبية الطائفية العميقة التي تدعم الأحزاب السياسية، من خلال تقديم المساعدة الدولية في صورة خدمات مثل الرعاية الطبية والصرف الصحي والغذاء
وبالتوازي مع ذلك، تحتاج الدول صاحبة النفوذ في المنطقة، وكذلك على الصعيد الدولي، إلى استخدام الأدوات الدبلوماسية للضغط على قادة لبنان. ويجب أن تركز هذه الجهود على إصلاح القطاع المالي، والشفافية الحكومية، ومبادرات مكافحة الفساد، والقضاء على نظام المحسوبية الذي يمنع مئات الآلاف من الشباب اللبنانيين من الحصول على وظائف لائقة.
وفي الوقت نفسه، يتعيّن توخي الحذر لتجنب فرض أنظمة عقوبات يمكن أن تلحق الضرر بالمواطن العادي وفي الوقت نفسه يستفيد منها حزب الله وإيران. ويقرّ لانجلويس بأن هذا النهج غير مثالي، ولكنه لفت إلى أنه كفيل بمنع وقوع كارثة في لبنان.
ويؤكد لانجلويس أنه لا يمكن تحقيق الإصلاح الحقيقي إلا من خلال قطع الصلة بين اللبنانيين وبين شبكات المحسوبية التي يضطرون إلى الاعتماد عليها للبقاء على قيد الحياة. وهذا يقلل من قوة الأطراف السياسية المهيمنة، لكنه حذّر من أنه وحتى يتم تكثيف مثل هذه الجهود، ويتم استخلاص الدروس من انفجار بيروت، سيستمر لبنان في الانهيار.
العرب
هذا الخبر لبنان أمام فرصة أخيرة لإحداث تغيير إيجابي ظهر أولاً في Cedar News.