المحيطون بعون: ميقاتي رئيس مكلّف بوجهين

بات لبنان رسميّاً دولة خالية من الدواء والمازوت والبنزين والماء وأدنى مقوّمات الصمود. دولة تديرها “عصابة أشرار” تتحكّم بالسوق السوداء التي تفرض نفوذها وإمرتها على كلّ قطاعات ومؤسسات الدولة من رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للدفاع ونزولاً…

أمّا الضربة القاضية فهي قاب قوسين من الحصول مع الإعلان الوشيك عن نهاية “أسطورة” الدعم التي عيّشت اللبنانيين أصلاً “كذبة كبيرة” يدفع هؤلاء ثمنها اليوم بكلفة تاريخية غير مسبوقة في سجلّات الشعوب بانتقال “درّة الشرق”، ما غيرها، بكبسة زرّ واحدة من النعيم إلى الجحيم.
والقابعون في السلطة اليوم يملكون قدراً كبيراً من الوقاحة إلى درجة تخيير اللبنانيين بين الموت في حادث سير أمام محطة بنزين، أو طلقة رصاص أمام صيدلية، أو موتور كهرباء، أو سوبرماركت، أو مكتب دخول في أحد المستشفيات… أو في “مشكل” يرتدي اللبوس الطائفي أو المذهبي. خيارات الدولة متعدّدة و”في متناول الجميع”، والموت واحد.

الربط بين هذا الواقع وبين مشاورات تأليف الحكومة هو واجب وضرورة، لا بل إنّ الفصل بينهما يحجب جزءاً من الجريمة المتمادية التي يتعرّض لها البلد المنكوب من قبل “أمراء” هدر الوقت. الصورة قاتمة إلى حدّ أنّ مصير الحكومة وقَدَر أربعة ملايين لبناني “واقف” على “ملامح” الرئيس المكلّف بعد خروجه من اللقاء مع رئيس الجمهورية: عابس، مرتاح، متشنّج، يصرّح، لا يصرّح…

وتتجلّى السوريالية في بعض التصريحات الاستفزازية التي تعكس مدى الانفصال عن الواقع. كأن يبشّر نائب في التيار الوطني الحر بأنّ “كل ما يتمّ تداوله في الإعلام بخصوص الحكومة لا أساس له من الصحّة، لأنّ العملية أبعد بكثير عمّا يجري الحديث عنه. فالتصوّر المتداول بين الرئيسين عون وميقاتي هو: هل نذهب إلى حكومة على أساس المداورة، أم على أساس التوزيعات السابقة؟”.

عمليّاً المداورة الحقيقية تحصل في منازل اللبنانيين: بدل اللحمة والدجاج حبوب وخبز وأمعاء خاوية، وبدل الدواء عودة إلى طبّ الأعشاب ووصفات الضيعة، وبدل علبة دواء لمريض سرطان، انتظار مضنٍ على فراش الموت لمعجزة توفير الأدوية للأمراض المستعصية…

في ظلّ هذا الواقع المأساوي نشطت في الساعات الماضية خطوط التوتّر العالي في سياق شدّ الحبال بين القوى المعنيّة بالتأليف. ومن آخر مظاهره السجال غير المباشر بين عون وميقاتي، ومردّه إلى ما نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” عن رغبة الرئيس عون، ومن خلفه جبران باسيل، بالاستحصال على 12 وزيراً في الحكومة، ثمّ نفي مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية للخبر، وتأكيده أنّ كل المعلومات الواردة في المقال غير صحيحة وتهدف إلى التشويش على التعاون القائم بين عون وميقاتي.

ووفق المعلومات، فإنّ الدائرة الضيّقة المحيطة برئيس الجمهورية تتّهم ميقاتي بأنّه رئيس مكلّف بـ”وَجهَين”: يُصدر تصريحات من منبر قصر بعبدا توحي بالتعاون، ثمّ يتعمّد فريق ميقاتي تسريب أجواء إلى الإعلام يُحمِّل فيها مسؤولية العرقلة بالكامل إلى فريق العهد والانقلاب على تعهّدات سابقة التزم بها عون في بداية اللقاءات مع الرئيس المكلّف.
حتى ليل الاثنين لم يكن ميقاتي قد اتّصل بدوائر القصر الجمهوري لتحديد موعد الجلسة السابعة بينهما التي قيل إنّها ستتمّ الثلاثاء. وأمس لم يتحدّد أيّ موعد للقاء اليوم. وقد اعتبرت مصادر بعبدا أنّ التأجيل هو عامل سلبيّ وغير مشجّع.

في المقابل تردّد أنّ المبادرة إلى الاتصال يُفترض أن تأتي من القصر الجمهوري وليس من الرئيس المكلّف كي يستمع الأخير إلى وجهة نظر عون في موضوع توزيع الحقائب.

ومن الآخر، العقد كثيرة وغالبيّتها تافهة، لكنّها تحمل صفة الاستعصاء بالنظر أوّلاً إلى “الأجندة” التي تكبِّل نائب طرابلس، والتي على أساسها “غطّى” نادي رؤساء الحكومات والرئيس سعد الحريري تكليف ميقاتي، إضافة إلى لائحة الشروط والشروط المضادة المرتبطة بعقدة المداورة ومَن سيحوز “سند ملكيّة” وزارات العدل والطاقة والاتصالات وباقي الحقائب الخدماتية، وتحديد اسم مَن سيشغل وزارة المال.

ويُسلِّم ميشال عون بأنّ إعلان رئيس تكتّل لبنان القوي جبران باسيل قراره بعدم المشاركة في الحكومة يحيل “الحصّة الباسيلية” حكماً إلى رصيد حصّة رئيس الجمهورية في الحكومة. وهو أمرٌ مرفوض بالمطلق من الرئيس ميقاتي الذي يردّد أنّه “يريد فريق عمل يشبهه كي يقلّع في المهمّة الصعبة المسندة إليه، وتحديداً تَماهي القماشة الوزارية في التوجّهات والكفاءة لشاغلي وزارات المال والاقتصاد والطاقة والاتصالات”.

وتفيد مصادر بعبدا أنّ “النقاش مع الرئيس ميقاتي ليس على القطعة، بل بالجملة، وليس محصوراً بالحقائب السيادية فقط لأنّ توزيع هذه الحقائب مرتبط مباشرة بالوزارات الأساسية التي بدأت بعض القوى السياسية، كوليد جنبلاط مثلاً، تطالب علناً بها. لذا يجب أن تُدرَس

مطالب الأفرقاء السياسيين بمنطق، و”كل واحد على قد حجمه”، وبما يتناسب مع الدستور والميثاق”.

وينقل الفريق القريب من ميقاتي امتعاضه من “تضييع الوقت في هذا الوقت القاتل، في حين أنّه إذا صَفَت النيّات يمكن أن يتمّ تأليف الحكومة خلال أسبوع واحد”، رافضاً استغلال عون وباسيل “لحاجة ميقاتي للتأليف السريع لفرض شروط غير قابلة للتحقيق وتنمّ عن رغبة بالسيطرة وليس بالعمل كفريق متجانس ينتظره المجتمع الدولي ليقرّر على أساسه تحريك أساطيل المساعدات والإنقاذ”.

هو مشهدٌ يعزّز حظوظ اعتذار ميقاتي أكثر بكثير من القدرة على التأليف. احتمال ينفيه طرفا الكباش حتى اللحظة، مع العلم أنّ مطّلعين يجزمون أنّ مصير الحكومة بات يُعدّ بالساعات والأيام قبل انضمام ميقاتي مجدّداً إلى “نادي” رؤساء الحكومات.

ملاك عقيل – اساس ميديا

هذا الخبر المحيطون بعون: ميقاتي رئيس مكلّف بوجهين ظهر أولاً في Cedar News.

Read More