كتبت صحيفة الجمهورية تقول: إنشغل اللبنانيون في الأسبوع المنصرم بأكثر من حدث سياسي، الأمر الذي حال دون التركيز على الملف الحكومي، بدءاً من أحداث خلدة كتطوّر أمني خطير، مروراً بالذكرى السنوية الأولى لانفجار المرفأ وما رافقها من مواقف عالية السقف والنبرة، وصولاً إلى اشتعال الجبهة الجنوبية في شكل غير مسبوق منذ سنوات، وقد استأثرت هذه التطورات بالاهتمام السياسي والإعلامي والشعبي على حساب الملف الحكومي الذي استعاد في اللقاء الأخير بين عون وميقاتي مَساره الهادئ من دون الكلام عن وعود ولا التزام مهل. ورجّح مطلعون على ملف التأليف ان تنشط المشاورات بين الرجلين بدءاً من غد، على رغم تزاحم الاولويات التي فرضت نفسها الاسبوع الماضي.
مع تراجع الأحداث الكبرى يفترض ان يعود التركيز على ملف التأليف ومراقبة مدى التقدُّم الذي تحرزه لقاءات رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف في ظل العقد القائمة، والتي تُواجَه حتى اللحظة برغبة مشتركة في تجاوزها. ولكن لا يبدو حتى الآن انّ طريق التأليف سالكة، والخشية بوصول الأمور إلى الحائط المسدود في حال أصرّ كلّ منهما على موقفه وغابت المخارج الممكنة، إلّا انّ العامل المطمئِن حتى اللحظة يكمن في وتيرة اللقاءات المستمرة، والتي تؤشّر إلى عامل إيجابي وسَعي مشترك لمحاولة تجاوز العقد القائمة.
وجاء تأكيد الرئيس المكلف انه لا يضع سقفاً زمنياً لمهمته ليغلِّب المنحى التفاؤلي على التشاؤمي، لكن المشكلة انّ التفاؤل لا يستند إلى عوامل ملموسة وما زال يدور في الحلقة المفرغة نفسها، فلا ميقاتي قادر على التنازل عن سقف وزارة الداخلية حيال نادي رؤساء الحكومات السابقين وبيئته التي باتت تنظر إلى هذه الحقيبة كمعيار لعدم التنازل أمام رئيس الجمهورية، ولا الأخير في وارد التراجع عن انتزاع هذه الحقيبة، ما يعني انّ كل البحث في الحقائب الأخرى بلا جدوى في حال لم يتمّ التوصّل إلى حلّ هذه العقدة.
وهناك من يسأل مثلاً ماذا لو وافق الرئيس المكلّف على ان تكون وزارة الداخلية من حصة رئيس الجمهورية، هل تنتهي العقد عند هذا الحدّ وتتألف الحكومة فوراً، أم ستبرز عقد أخرى تعيد التفاوض إلى المربّع الأول وتُظهر ميقاتي أمام شارعه بأنه تنازَلَ وساوَمَ ولم يلتزم السقف الذي كان قد وضعه الرئيس سعد الحريري؟
يصعب الجزم بأنّ عقدة وزارة الداخلية هي العقدة الأخيرة في مسار التأليف، وذلك تأسيساً على العقد الأخرى التي تمسّك بها رئيس الجمهورية مع الحريري، وفي طليعتها حصته المسيحية وتسمية الوزيرين المسيحيين من خارج هذه الحصة، ناهيك عن مطلب “الثلث المعطِّل” المضمر وإسقاط الأسماء على الحقائب. ولكن قبل الوصول إلى الأسماء، ماذا عن المداورة التي يتمسّك بها عون مقابل طرح ميقاتي إبقاء القديم على قدمه؟ فهل نجح ميقاتي في إقناع عون بالتخلي عن المداورة؟
لا يبدو حتى اللحظة انّ عون تراجَع عن المداورة التي تتجاوز قدرة ميقاتي على حلها، وكان صريحاً مع عون، وفق ما سُرِّب، بدعوته إلى حلّ هذه العقدة مع الثنائي الشيعي، خصوصاً انّ رئيس الجمهورية يدرك انّ هذه العقدة ليست عند ميقاتي ولا يمكنه حلها. وبالتالي، ما السبب الذي دفعه إلى التمسّك بها؟ فهل هذا يعني انه لا يريد حكومة؟ ام انه يريد من ميقاتي ان يدفع ثمن تمسّك الثنائي الشيعي بوزارة المال بِتنازله عن وزارة الداخلية؟ أم يريد استدراج تدخُّل “حزب الله” لمنحه وزارة الداخلية او التفاوض في ملف آخر؟
وقد اكتفى الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، في إطلالته الأخيرة، بالتأكيد انّ الملف الحكومي هو في عهدة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف من دون اي استِفاضة في هذا الموضوع، ما يعني أنه يرفض التدخّل في النقاش الدائِر بينهما، فيما أنه من المُبكر الكلام عن وساطات طالما انّ اللقاءات ما زالت تحافظ على وتيرتها ولم يدخلا في قطيعة تستوجِب التوَسُّط والتدخّل.
وعلى رغم هذه الصورة التي يطغى عليها الطابع السوداوي، إلّا انه من المعروف في لبنان انه متى وجِد القرار تُذَلّل العقبات في ساعات، فهل من قرار بتأليف الحكومة؟
وفي هذا السياق أبلغت أوساط سياسية مواكبة لمفاوضات التشكيل الى “الجمهورية” انّ الأمور تبدو حتى هذه اللحظة محكومة بحدّين: لا اعتذار قريباً ولا تقدم نوعياً في اتجاه التأليف.
ولفتت هذه الاوساط الى انه وعلى رغم هذا الواقع، إلّا انّ لدى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إصراراً مشتركاً على مواصلة السعي الى معالجة العقَد الحكومية وتدوير زواياها، وهما لم يستسلما لها بعد ولم يُسلّما حتى الآن بالعجز عن حَلحلتها.
واشارت الاوساط نفسها الى “انّ المطلوب التفاهم على اختيار وزير سنّي حيادي لحقيبة وزارة الداخلية يكون اسمه موضع تقاطع بين عون من جهة وميقاتي والرئيس سعد الحريري من جهة أخرى، وكذلك الاتفاق على وزير للمال يكون مقبولاً لدى عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري”.
خليط العقد
وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انّ عطلة نهاية الاسبوع لم تشهد اي اتصال مباشر بين عون وميقاتي منذ اللقاء السادس بينهما عصر الجمعة الماضي، ولكن ذلك لم يحل دون الحديث عن اتصالات جارية في الكواليس حاملة مجموعة من الاقتراحات المتبادلة العاجِزة عن التوصّل الى ما يمكن تسميته مخرجاً، او إجراء مقاربة جديدة لعملية التأليف بعدما توسّعت المشاورات الاخيرة لتطاول بعض الاسماء قبل التفاهم النهائي على توزيعة الحقائب السيادية والخدماتية وإمكان تطبيق المداورة وعلى أيّ نطاق، فهل تبقى على مستوى الحقائب الاربع ام انها تمتد الى بقية الحقائب؟ وهو ما سيؤدي الى اعادة نظر واسعة في التركيبة كاملة فتتعقّد الامور لأنه من الصعب ان تمرّ كاملة في مهلة قصيرة، فلعبة “الدومينو” يمكن ان تتحكّم بالتوزيعة المُنجزة كاملة الى حدود نسفها من أساسها.
والى الخلافات التي تَظهّرت حول حقيبتي وزارتي الداخلية والعدل، وما اذا تم التفاهم مبدئياً على إمكان تَخلّي عون عن “الداخلية” لتبقى من حصة السنّة وتَخَلّي ميقاتي عن “العدل” للمسيحيين، برزت عقدة جديدة تمثّلت بالملاحظة الرافضة التي سجّلها عون في اللقاءين الأخيرين حول اقتراح تسمية مدير العمليات المالية في مصرف لبنان يوسف خليل وزيراً للمال بسبب موقعه الحالي.
وكررت مصادر وزارية قريبة من بعبدا القول، عبر “الجمهورية”، انّ هذه العقدة ليست جديدة فهي قائمة منذ اشهر، وتحديداً منذ ان كان اسم خليل مطروحاً للحقيبة عينها في التشكيلتين اللتين اقترحهما الرئيس سعد الحريري في مرحلة تكليفه وقبل اعتذاره عن المهمة. واضافت انّ عون لا يمكنه القبول بخليل على خلفية إمكان حصول اي تضارب في المصالح عند إمكان إدانته عندما تصل اليه عملية التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، خصوصاً إذا طاوَلَته التحقيقات في هذا الملف واعتبرته مُخالفاً
هذا الخبر التأليف بين اللاإعتذار واللاتقدّم… وتوقّع استئناف الاتصالات واللقاءات غداً ظهر أولاً في Cedar News.