لبنان… هزّة أمنية خطيرة عشية ذكرى زلزال المرفأ

بين «الثأر» المدجَّجِ بفتائل أمنية ومذهبية، وبين ملامح «الثأر» السياسي الذي يُخشى أن ينزلق إليه الملفُ الحكومي، تَوَزَّعَ المشهدُ في لبنان المزنَّرِ بـ «صواعقِ» الانهيارِ المالي المفتوح على «صندوقة كوابيس» لم يعُد يفصل عن «انفجارها» إلا محاولة أخيرة لتدارُك… الآتي الأعظم.

وفيما كانت «بلاد الأرز» تستعدّ لـ «أربعاء بيروتشيما» الذي سيكون أشبه بـ «مأتم جَماعي» لكل ضحايا انفجار المرفأ (أكثر من 205) الذين سقطوا في الرابع من أغسطس 2020 والذي سيعلن فيه اللبنانيون رفْض دفن التحقيق والحقيقة في جريمةٍ دخلت التاريخ من «الباب الأسود»، نافس التحضيرات لهذه الذكرى التي سيتم إحياؤها أيضاً في العديد من العواصم والمدن في أوروبا والولايات المتحددة وكندا وغيرها عنوانان أمني وسياسي.

فقد باغتت بيروت «اندفاعة نار» أعادتْ الواقعَ الأمني بقوة إلى الواجهة بعد جريمة الثأر التي وُثقت بالفيديو والتي استهدفت (ليل السبت) أحد مسؤولي «حزب الله» (وتحديداً سرايا المقاومة) علي شبلي الذي قُتل رمياً بالرصاص خلال مشاركته في أحد الأعراس في منطقة الجية (جنوب بيروت) على يد أحمد غصن، من عرب خلدة، الذي «انتقم بيده» لشقيقه الفتى أحمد غصن الذي كان قُتل في أغسطس 2020 واتهمت هذه العشائر شبلي بالمسؤولية عن الجريمة التي جاءت بعد توتر كبير في خلدة حينها على خلفية تعليق صور لمناسبة عاشوراء في سنتر شبلي (يملكه علي شبلي).

ورغم أن القاتل الذي سدّد أمام جميع الحاضرين ما لا يقلّ عن أربع رصاصات في صدر شبلي بات في عهدة القوى الأمنية، فإن هذه العملية التى أعقبها انتشار للجيش اللبناني في محيط سنتر شبلي وسط معلومات عن استنفار لحزب الله وعناصر من «سرايا المقاومة» أعقبتْه اتصالات لمنْع تفلُّت الأمور، فجّرت المخاوف في توقيتها وجغرافية تداعياتها البالغة الحساسية من أن تتحوّل «بقعةَ زيتٍ» ولا سيما في أعقاب التطور الأمني الخطير الذي شكّله ما رافق تشييع شبلي عصر أمس من إطلاق نار كثيف واشتباكاتٍ أدت إلى سقوط ما لا يقلّ عن 4 أشخاص (أحدهما الدكتور م. أ الذي ذُكر أنه قريب لشبلي) بينهم أحد المارة من آل حوري الذي تعرّض للقنص، وعدد من الجرحى بعضهم إصاباتهم خطرة وبينهم نسوة.

وسرعان ما برزتْ خشية من تفاعلاتٍ لهذه القضية وإمكان أن تشكّل شرارة لأحداث أمنية تخرج عن السيطرة، في ظل حال من الرعب سادت بين سكان خلدة ومحيطها جراء أعمال قنص لم يُعرف مصدرها واستمرّت لساعات ووسط تقارير عن انتشار أمني في مناطق بعيدة نسبياً عن منطقة التوتر وعن استنفار لـ «حزب الله» وسماع إطلاق نار كثيف في محيط الناعمة.

وعلى وقع مناشدات للصليب الأحمر لإرسال سياراته الى نقطة الاشتباك بهدف إجلاء الجرحى الممدَّدين على الأرض أو الذين نقلهم الجيش اللبناني الى داخل أحد المطاعم، وسط تقارير عن أن الجيش قام بإخراج 15 شخصاً من المشيّعين إلى خارج منطقة خلدة بواسطة ملالاته العسكرية، عززت المؤسسة العسكرية وجودها في المنطقة وسيّرت دوريّات راجلة ومؤلّلة، مشيرةً إلى أنّ «وحداتها ستقوم بإطلاق النار باتجاه أيّ مسلّح يتواجد على الطرق، وباتجاه أيّ شخص يُقدم على إطلاق النار من أيّ مكان آخر».

وإذ أوضح الجيش أنه «أثناء تشييع المواطن علي شبلي في منطقة خلدة، أقدم مسلحون على إطلاق النار باتجاه موكب التشييع، ما أدى الى حصول اشتباكات أسفرت عن سقوط ضحايا وجرح عدد من المواطنين وأحد العسكريين»، أعلن «حزب الله» في بيان له أنه خلال تشييع شبلي إلى مثواه الأخير في بلدة كونين الجنوبية «وعند وصول موكب الجنازة إلى منزل العائلة في منطقة خلدة تعرّض المشيعون إلى مكمن مدبر وإلى إطلاق نار كثيف من المسلحين في المنطقة ما أدى إلى استشهاد اثنين من المشيعين وسقوط عدد من الجرحى».

وأضاف «أن قيادة حزب الله إذ تتابع الموضوع باهتمام كبير ودقة عالية تطالب الجيش والقوى الأمنية بالتدخل الحاسم لفرض الأمن والعمل السريع لإيقاف القتلة المجرمين واعتقالهم تمهيداً لتقديمهم إلى المحاكمة».

من جهته أعلن «اتحاد أبناء العشائر العربية في لبنان» أن «ما يحصل في خلدة سبق وحذرنا منه وبقينا خلال عام ونحن نناشد ولم نوفر جهداً لعدم دخولنا في معركة لا ناقة ولا جمل لنا فيها وكنا نرفض أن ندفع فاتورة معركة سلاح حزب الله.

وهنا نتوجه لقيادة الحزب ما زال لدينا الوقت لتفويت الفرصة ووأد الفتنة والاحتكام للغة العقل والقانون.

لن ندخل بالتفاصيل ولدينا الوقت لاحقاً إنما علينا الجميع التحلي بالصبر ووقف الفتنة في ظل الظروف الراهنة والفتنة الاعلامية.

لا نتمنى ولم نكن دعاة حرب وليس بمقدورنا ضبط الشارع في بقية المناطق وعلى امتداد مساحة الوطن أمام الإعلام المضلل ومواقع التواصل الاجتماعي التي تتناقل الأخبار الكاذبة والمحرضة على الفتنة».

وفي حين علّق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على أحداث خلدة، وقال «لا بد من توقيف الذين أطلقوا النار اليوم قبل الغد وعقد صلح لأن طريق الجنوب هي طريق الجميع»، أعلنت قيادة «تيار المستقبل» (يترأسه الرئيس سعد الحريري) أنها «تتابع تطورات الوضع الأمني الخطير في خلدة، وتجري اتصالاتها مع الجهات المعنية والمختصة، لا سيما مع مرجعيات العشائر العربية للعمل على التهدئة وعدم الانجرار وراء أي فتنة».

وأكدت أنها أجرت اتصالات مع قيادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية «للعمل على ضبط الوضع والحؤول دون تطور الأحداث»، داعيةً كل المعنيين إلى التضامن على مساعدة الأجهزة والقوى الأمنية الرسمية لمعالجة الوضع.

من جهته، تابع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «الأحداث الأمنية المؤسفة التي شهدتها منطقة خلدة والتي أدت الى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المواطنين.

وطلب من قيادة الجيش اتخاذ الإجراءات الفورية لإعادة الهدوء الى المنطقة، وتوقيف مطلقي النار وسحب المسلحين وتأمين تنقل المواطنين بأمان على الطريق الدولية»، معتبراً «أن الظروف الراهنة لا تسمح بأي إخلال أمني أو ممارسات تذكي الفتنة المطلوب وأدها في المهد، ولا بد من تعاون جميع الأطراف تحقيقا لهذا الهدف».

وعلى وقع هذا الاستنفار السياسي – الأمني بدا أن «موقعة خلدة» أخذت طريقها الى الاحتواء وسط أجواء عن قرار من «حزب الله» باستيعاب ما جرى والتعاطي معه على أنه لا يحمل أبعاداً خارج الإطار الذي سقط فيه شبلي، وهو ما ترافق مع معاودة فتْح طريق خلدة وسط انتشار كثيف للجيش.

وكانت «عشائر العرب» أعلنت بعيد الثأر من شبلي أن «من عادات العرب وتقاليدها أن تأخذ بالثأر إذا لم تتم مصالحة بين المتخاصمين وما حصل بمقتل علي شبلي ليس إلا أخذا بثأر، والقاتل شقيق المقتول حسن غصن»، متمنية على ذوي شبلي «اعتبار القتل عينا بعين ولا يتجاوز ذلك (…) وتُعتبر الحادثة ثأرية لا أكثر، وتوضع في يد القضاء اللبناني إلى أن يأمر الله بأمره، ونرجو ألا يجرّنا الأمر إلى فتنة لا تحمد عقباها ويدنا بيد كل مَن يريد صلحا».

بدورها ذكرت عائلة غصن أنها «منذ اليوم الأول لاستشهاد ولدها أهابت وتمنت وألحّت بالطلب إلى السلطتين الأمنية والقضائية كي تمارس مسؤولياتها القانونية والعدلية في التحقيق بهذه الجريمة وصولاً إلى توقيف القاتل علي شبلي ومحاكمته، إلا أن محاولاتها قوبلت على مدار سنة كاملة بامتناع مَن كان يحمي علي شبلي عن تسليمه إلى القضاء المختص (…)»، مضيفة: «وأمام إمعان سلطة الأمر الواقع في حماية مجرميها ومحاولة إفلاتهم من العقاب، رأينا اليوم وللأسف أخ الشهيد حسن غصن ينتفض لكرامته ويستوفي حقه بالذات قاضياً على نفسه قبل أن يقضي على علي شبلي».

وأتت هذه «الهبة الساخنة» الأمنية على وهج رياحٍ تتجاذب الملف الحكومي وطغى عليها التشاؤم في اليومين الماضييْن، وسط رصْدٍ للقاء الرابع منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الذي سيجمع الأخير بالرئيس عون اليوم، باعتبار أنه سيحدد مآل مسار التأليف بعد المنحى السلبي الذي لاحت طلائعه على خلفية بروز عقدة حقيبتيْ الداخلية والعدل، اللتين يصرّ عون على أن تكون الأولى بالحدّ الأدنى من حصته في حين يرى ميقاتي أن المطلوب اسمين محايديْن لهاتين الوزارتين المعنيتين بالانتخابات النيابية ويسعى لتفاهُم مع عون حولهما تحت هذا «المعيار».

وإذ دقّتْ ساعة كشْف الأوراق الحقيقية في الملف الحكومي مع دخول عون وميقاتي في توزيعة الحقائب على الطوائف وتالياً على ممثلّيها السياسيين، وإن مع حرص الرئيس المكلف على عدم الدخول في محاصصة سياسية – حزبية تستعيد تجربة الحكومة المستقيلة أو حكومات ما قبل 2019 ولو بطريقة مقنّعة، فقد لفحت جبهة التأليف أجواء متضاربة بدت انعكاساً لأمرين: أولهما عدم رغبة ولا قدرة أي طرف على تَحمُّل تبعات الظهور بمظهر مَن يضع العصي في دواليب مسار التأليف.

وثانيهما أن رئيس الجمهورية وفريقه الذي يُتَّهَم بأنه أطاح منذ سبتمبر 2020 بتكليفيْ السفير مصطفى أديب ثم الرئيس سعد الحريري، يدرك أن تفشيل مهمة ميقاتي، تحت عيون المجتمع الدولي و«عصا» العقوبات التي بات لها «زنادٌ» أوروبي، سيفتح عليه أبواباً ساخنة من الداخل والخارج، ما يجعله يدير التفاوض مع ميقاتي متجنّباً أن تنطلق من ملعبه كرة التعطيل، ومحاولاً تصوير التعقيدات، التي يعتبر خصومُه أنها وليدة تمسُّكه بحماية المستقبل «الرئاسي» والسياسي لصهره رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، على أنها من صنع الرئيس المكلف بحال أصرّ على إكمال ما بدأه سلَفه أي أن يكون «الحريري 2».

ولم يكن عادياً في الساعات الماضية أن تتوالى الرسائل لميقاتي من فريق عون الذي «هدّد» مستشاره الوزير السابق بيار رفول في حديث لقناة «او تي في» (تابعة للتيار الحر) تعليقاً على الملف الحكومي «اذا بدو (ميقاتي) يضل ع شروطو بيطير متل ما طار الحريري»، وذلك بعدما كانت القناة نفسها استعادت في مقدمة نشرتها الإخبارية «ثلاثية» أن تشكيل الحكومة يمرّ بتوقيعيْ رئيس الجمهورية والحكومة وثقة البرلمان «وفي لبنان، دستور لا مزاج، وميثاق لا احادية، ومعايير موحدة لا ازدواجية» وأن المطلوب «حكومة إصلاحية، تحمل مشروعاً واضحاً محدداً في الخطوط العريضة والمهل، حتى لا نكون أمام مرحلة جديدة من التسويف والمماطلة والهرب الى الأمام».

وفي المقابل وفيما كان يُنقل عن قريبين من ميقاتي أنه سيبدأ بإسقاط الحقائب على الطوائف تبعاً لأهداف الحكومة وهي وقف الانهيار وبدء الإنقاذ وإجراء الانتخابات، سرتْ معلومات عن مسعى فرنسي ناشط لتذليل العقبات التي تعترض التشكيل وحسم الخلاف حول توزيع بعض الحقائب لاستعجال التشكيل قبل الأربعاء 4 اغسطس موعد المؤتمر الدولي لمساعدة الشعب اللبناني الذي سيعقد في باريس عن بُعد وسيشارك فيه الرئيس الأميركي جو بايدن.

ونقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن أوساط مطلعة أن «لائحة المرشحين لدخول الحكومة سواء الموضوعة من الرئيس عون أو الرئيس المكلف تضم اختصاصيين غير حزبيين، خبراء في مجالات اختصاصهم ومجلّين في القطاع الخاص، وان عون مرتاح لمقاربة ميقاتي في موضوع التشكيل»، وأن ميقاتي «يعتمد طريقة التشاور في تأليف الحكومة أي الاتفاق على دورها ومهمتها والتشارك وتالياً الاتفاق على اختيار أسماء الوزراء من القادرين على تنفيذ الاصلاحات، يوحون بالثقة للداخل والخارج ويعطون صدقية».

كما نقلت عن أوساط ديبلوماسية أن ثمة «مفاجأة في مؤتمر الأربعاء خصوصاً اذا تشكلت الحكومة قبل موعده كخطوة تعزز الافادة من الزخم الدولي للمساعدة»، ملمحة إلى أنه بحال تأليف الحكومة بحلول يوم غد «قد يرتفع عدد المشاركين في المؤتمر ومن بينهم عرب».

وبين هذين المناخيْن، تتجه الأنظار إلى لقاء بعبدا اليوم باعتبار أنه سيكون مؤشراً لحقيقة الحسابات التي تتحكّم بملف التأليف وسط اعتقاد كثيرين أن ما بعد ذكرى انفجار المرفأ قد يجعل غالبية الأطراف «في ورطة» بحال نجحت التعبئة الشعبية التي تجري لتحويل هذه الذكرى يوم غضبٍ كبير ضد كل الواقع الذي تَسَبّب «بالتكافل والتضامن» بين مكوّناته السياسية والأمنية الداخلية كما التي تطلّ على ارتهان لبنان لمشروع عابِرٍ للحدود، بـ «بيروتشيما».
https://www.alraimedia.com/article/1547423/خارجيات/لبنان-هزة-أمنية-خطيرة-عشية-ذكرى-زلزال-المرفأ

الراي – وسام أبو حرفوش وليندا عازار

هذا الخبر لبنان… هزّة أمنية خطيرة عشية ذكرى زلزال المرفأ ظهر أولاً في Cedar News.

Read More