بعد النبرة الساخنة للرئيس الفرنسي نصر الله يردّ «التحية بمثلها».. لبنان أدار الأُذُنَ الطرشاء لـ «صفعة» ماكرون

غَضَبٌ، خَجَلٌ، خيبة أملٍ، قَلَقٌ. رباعية فرنسية – أوروبية – أميركية، عبّرت عن نفسها بلا أي قفازات في ملاقاة وقوع مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون في «الأسْر» نفسه الذي كان يريد أقلّه «توسعة قضبانه»، لإعطاء لبنان متنفّساً صغيراً في غمرة الصراع الطاحن في المنطقة… أما في بيروت فـ«صدمةٌ» وصمتٌ كأنه «اعترافٌ بالذنب» الذي حدّد «سيد الإليزيه» بأقسى العبارات المسؤولين عن اقترافِه من ضمن «خيانة جَماعية» لم يستثنِ منها أياً من القوى السياسية وإن مع «حمولة اتهام» أعلى لـ«حزب الله» وبلغةٍ لم تخلُ من شحنة «حربية» غير مسبوقة.
هكذا بدا المشهد أمس، في بيروت التي أطفئت فيها محركات الكلام غداة التقريع غير المسبوق من رئيس دولةٍ بحق طبقةٍ سياسية «بكلّيتها» في دولة ثانية وسلوكها «المشين» بحق بلدها وشعبه، وسط مفارقةٍ سوريالية شكّلها حرص غالبية القوى التي تعرّضت لـ«الجَلْد» من ماكرون على تأكيد التمسك بمبادرته التي انتهت «محاولتها الأولى» التي حملت اسم السفير مصطفى أديب إلى جعْل تأليفه «حكومةَ مَهمةٍ» إصلاحية أمراً مستحيلاً بفعل إغراقها بالوحول الطائفية – المذهبية التي جاءت بمثابة «إلهاءٍ» عما يشبه «عملية كوماندوس» نُفِّذت خلف خطوط المسعى الفرنسي الذي أُفقد فاعليته ليُترَك لبنان هائماً في فضاء المُكاسَرة الايرانية – الأميركية المفتوحة على شتى السيناريوات.

وفيما حاول ماكرون في الإطلالةِ الصاعقة على الواقع اللبناني إحداث «توازن رعب» عبر معادلةٍ وضعها برسْم «حزب الله» ومفادها أن البديل عن السير بخريطة الطريق الفرنسية القائمة على تشكيل حكومة من اختصاصيين ينكبّون على عملية الإصلاح ولا تسميّهم القوى السياسية، هو حربٌ على الحزب لا تمانع أطراف في المنطقة بوقوعها «فينهار الحزب ولو انهار معه لبنان»، فإنّ الردّ المتوقّع مساء اليوم من الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله على الرئيس الفرنسي يُتوقّع أن يكون بحجْم مضبطة الاتهام التي وجّهها لِما سماه راعي «نظام الرعب» فـ«لا يمكن الحزب أن يكون جيشاً يحارب إسرائيل وميليشيا ضد المدنيين في سورية ويرهب الآخَرين بقوة السلاح ويقول إنه طرف سياسي»، يُنتظر أن تُكرِّس وقوع المبادرة الفرنسية في «حقل الاشتباك» الإقليمي الكبير المترامي والذي يتّجه في أكتوبر إلى منازلاتٍ قاسية تتمدّد من العراق إلى سورية وصولاً إلى بقع التوتر الجديدة في شرق المتوسط وأخيراً القوقاز.
وفي حين كانت بعض الدوائر تتعاطى مع رفْع ماكرون منسوب «التعبئة» السياسية ضدّ «حزب الله» على أنه في سياق محاولةٍ لملاقاةٍ «كلامية» لمواقف الولايات المتحدة وأخيراً المملكة العربية السعودية اللتين تُعتبران ركيزة في أي ديناميةِ دعْمٍ دولي للبنان مالياً واقتصادياً خصوصاً قبيل إطلاق الرئيس الفرنسي جولة مشاورات جديدة مع أصدقاء «بلاد الأرز» في سياق تحشيدِ الخارج خلف خريطة الطريق الفرنسية في «جولتها الثانية»، فإنّ «الرشَق الماكروني» على الحزب والذي تَرافق مع تخفيف النبرة تجاه طهران الذي لم يجد «دليلاً على عرقلتها تشكيل الحكومة والتي أكد انه سينخرط معها في حوارٍ ثنائي حول لبنان سرعان ما استجرّ(عملية صدّ) مبكّرة من إيران بلسان المتحدث باسم خارجيتها سعيد خطيب زاده»، والذي أكد أن «موضوع لبنان ملف داخلي يجب حلّه ضمن البيت اللبناني»، مشيراً الى أنه «توجد بين إيران وفرنسا محادثات لكن طهران لا تدعو أي دولة أجنبية للتدخل مباشرة في لبنان لأن ذلك لن يساعد في حل مشاكله أبداً».
وإذ كانت أوساط سياسية تتوقف عند إمهال ماكرون «محاولته الثانية» بين 4 و 6 أسابيع بما يعني ضمنياً تمرير استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية وإقراراً بأن متقضيات انتظار نتائج السباق إلى البيت الأبيض كانت أحد عوامل تَصاعُد «الدخان الأسود» من المبادرة الفرنسية بـ«طبعتها الأولى»، فإن هذه الأوساط لاحظتْ باهتمامٍ ما بدا أنه سياسة «العصا والجزرة»، التي يعتمدها «حزب الله» ومن خلفه طهران: العصا بوجه باريس التي لن يكون ممكناً «تسييل» أي تَنازُل لها في حرب النفوذ في المنطقة التي تشكّل واشنطن اللاعب الرئيسي المُقرِّر فيها. والجزْرة للأميركيين عبر المناخات التي أشاعت بقرب بدء المفاوضات بين إسرائيل ولبنان بوساطة أميركية وبحضور الأمم المتحدة حول ترسيم الحدود البحرية (في مقر اليونيفيل في جنوب لبنان) بعد التفاهم على الإطار العام لهذه المفاوضات المرتقبة في غضون نحو أسبوعين.
وإذا بقي هذا المناخ صامداً وانطلق مسار التفاوض، فسيكون من الصعب وفق الأوساط نفسها مقاربة هذه المرونة التي لا يمكن فصْل «حزب الله» عنها من خارج بدء فتْح «خط بارد» مع واشنطن يكون جاهزاً بحالِ فاز جو بايدن كما إذا عاد دونالد ترامب، رغم اقتناعٍ بأن الأخير ليس في وارد التراجُع عن استراتيجية الضغط الأقصى على إيران و«حزب الله»، أياً تكن المغريات، قبل بلوغ أهدافه خصوصاً بعد إقلاع قطار السلام مع إسرائيل، وسط إشارة بارزة عبّر عنها الكشف عن أن منسّق مكافحة الإرهاب ناثان سيلز يجري جولة أوروبية للضغط من أجل اتخاذ إجراءات ضد الحزب.
وترافق ذلك مع موقف للخارجية الأميركية التي عبّرت على خلفية اعتذار أديب عن الخيْبة من ‏الطبقة السياسية «لعدم إعطائها الأولوية للشعب اللبناني على السياسات التافهة»، معتبرة ‏«أن اختيار وتعيين حكومة جديدة هو قرار يعود للشعب اللبناني الذي نزل الى ‏الشوارع للمطالبة بالإصلاح ووضع حد للفساد… ومع الأسف لا يزال العمل ‏يجري كالمعتاد في بيروت».
وفي موازاة ذلك، كان الاتحاد الأوروبي يعبّر عن شعوره بخيبة الأمل والقلق بسبب اعتذار أديب عن تشكيل الحكومة والملابسات التي أدّت إلى قراره، وهو حضّ لبنان على تشكيل حكومة سريعاً «للتوصل إلى اتفاقٍ مطلوب بشكل عاجل مع صندوق النقد الدولي».
وعلى وقع هذا الصخب الدولي، ساد بيروت سكوتٌ مُطْبق من الطبقة السياسية وسط غياب أي تعليق رسمي على كلام ماكرون ما خلا تأكيد الرئيس ميشال عون تمسكه بمبادرة الرئيس الفرنسي في ما خص الأزمة اللبنانية، منوّهاً بالاهتمام الذي يبديه حيال لبنان وشعبه.
وأسف عون خلال استقباله سفير فرنسا برونو فوشيه في زيارة وداعية لمناسبة انتهاء عمله الديبلوماسي في بيروت لـ«عدم تمكّن الرئيس المكلف مصطفى أديب من تشكيل الحكومة وفق مندرجات مبادرة الرئيس الفرنسي، خصوصاً لجهة الإصلاحات التي يفترض أن تتحقق سواء التي تحتاج إلى قوانين يقرّها مجلس النواب، أو التي ستصدر عن الحكومة بعيد تشكيلها ونيلها الثقة».
وجاء هذا الموقف في ظلّ أجواء عن عدم وجود اتجاه لدى عون للدعوة خلال الأيام القليلة المقبلة لاستشارات التكليف قبل انكشاف إمكان تدوير زوايا التعقيدات التي أطاحت بتكليف أديب، وسط اعتبار مصادر مطلعة أنه بعد كلام نصر الله اليوم ستندفع الأزمة الحكومية أكثر في اتجاه أفق مسدود خصوصاً في ضوء ترقُّب تشدُّد حاسم من قِبله في التمسك بشروط الثنائي الشيعي المتمثلة في التمسك بحقيبة المال وتسمية وزرائه، كما في ظلّ الربط الذي بات حاصلاً بين التكليف والتأليف واستحالة اجتراح ترياق داخلي على قاعدة صيغ مثل الحكومة التكنو – سياسية من 20 وزيراً يكون 14 منهم اختصاصيون و6 يمثلون الطوائف سياسياً في ما يشبه «مساكنةَ» بين مبادرة ماكرون ومطلب الثنائي الشيعي، أولاً لأنها لن تكون مقبولة خارجياً وتعارضها أطراف أساسية في الداخل، وثانياً لأن قرار الإفراج عن الحكومة صار في مرمى الانتخابات الأميركية وما بعدها.
ومجمل هذا المناخ القاتم يُنْذِر بأيام أكثر سودوية في لبنان الذي بات، إلى جانب المأزق السياسي، بين «فكيْ كماشة» الانهيار المالي المتسارع ومظاهره الكارثية التي يُنتظر أن تتوالى على الصعيد المعيشي، والمخاطر الأمنية العالية المستعادَة مع «إيقاظ» خلايا «داعش» النائمة في توقيت لا يخلو من السياسة وكمائنها، ناهيك عن «كورونا» الذي يواصل زحْفه الهستيري منْذراً برفْع القطاع الصحي، «رايته البيضاء» قريباً.

الراي

هذا الخبر بعد النبرة الساخنة للرئيس الفرنسي نصر الله يردّ «التحية بمثلها».. لبنان أدار الأُذُنَ الطرشاء لـ «صفعة» ماكرون ظهر أولاً في CEDAR.news.

Read More