موجة غلاء جنونية في لبنان .. رفع سعر الخبز المدعوم والليرة تهوي الى 9000 مقابل الدولار

REUTERS/Mohamed Azakir

رفعت الحكومة اللبنانية أمس سعر رغيف الخبز زنة 900 جرام المدعوم جزئيا إلى ألفي ليرة من مستواه قبل أزمة تشرين الأول (أكتوبر) البالغ 1500 ليرة.

وبحسب “رويترز”، الليرة اللبنانية مربوطة رسميا عند 1500 للدولار، لكن يجري تداولها الآن في السوق السوداء عند نحو 9000 للدولار بعد انخفاضات حادة في الأيام القليلة الماضية.
ومنذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، انغمس لبنان في أزمة مالية تسببت في إغلاق شركات وقفزة في الأسعار والبطالة.
ومع تآكل قدرتهم الشرائية وموجة الغلاء الجنونية، يلجأ لبنانيون إلى نظام المقايضة لتأمين احتياجاتهم الأساسية وسط أزمة معيشية خانقة. تعرض سيدة ثوبا مقابل الحصول على حليب وحفاضات لرضيعها بينما تود أخرى استبدال ثياب طفلتها بمواد غذائية.
ويعد الانهيار الاقتصادي، الذي يشهده لبنان منذ نحو عام، الأسوأ منذ عقود. ولم تستثن تداعياته أي فئة اجتماعية، وقد خسر عشرات الآلاف مصادر أرزاقهم أو جزءا من مداخيلهم وسط موجة غلاء غير مسبوقة وارتفاع في معدلات الفقر.
أمام هذا الواقع الجديد، لم يجد كثيرون خيارا سوى مقايضة أغراضهم. وأنشأت لهذا الغرض صفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي.
على صفحة “لبنان يقايض”، التي ضمت بعد أسبوعين فقط من إنشائها أكثر من 12 ألف مشارك، طلبت زينب (25 عاما) مقايضة فستانها الأسود بحليب وكيسي حفاضات لطفلها (11 شهرا).
وتقول الشابة من مدينة طرابلس لـ”الفرنسية”، “لم أطلب يوما شيئا من أحد، وجدت أن المقايضة أفضل، سأكون مرتاحة أكثر لو عرضت شيئا لا أحتاج إليه مقابل ما أحتاج إليه فعلا .. إنها أفضل من الطلب من غير مقابل”.
حتى الأمس القريب، كانت العائلة تعيش في وضع “جيد”. تؤمن قوتها اليومي من دخل زينب في التزيين النسائي وراتب زوجها الموظف في شركة. لكن الحال انقلب رأسا على عقب. فالشركة أغلقت أبوابها وسرحت موظفيها وزينب توقفت عن العمل مع تفشي فيروس كورونا المستجد.
من دون سابق إنذار، وجدت العائلة الصغيرة نفسها في وضع لم تعتده، تزامن مع غلاء غير مسبوق. فارتفع سعر كيس الحفاضات الذي اعتادت زينب شراءه إلى 23 ألفا بدلا من عشرة آلاف، وارتفع سعر علبة الحليب من 28 إلى 48 ألفا.
وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا جنونيا تجاوز 72 في المائة من الخريف حتى نهاية أيار (مايو)، وفق جمعية حماية المستهلك غير الحكومية.
وتقول زينب “نصرف حاليا من مبلغ صغير ادخرناه، ولا نعرف ماذا سنفعل حين ينتهي”.
على الصفحة ذاتها، كثر عرضن ملابسهن أو أحذيتهن مقابل الحصول على حفاضات أو حليب. وعرضت إحداهن ثيابا لابنتها (خمسة أعوام) مقابل الحصول على “مواد غذائية” على أن تتضمن زيتا، وأخرى قالت إنها مستعدة لتقديم حصتين غذائيتين مقابل أدوات تنظيف وحاجات للأطفال.
وكتبت امرأة ببساطة “أريد حصصا غذائية مقابل ثياب”. عرضت نورهان من جهتها مقايضة صينية خشب لصديقتها التي يحتاج طفلها، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جلسة علاج فيزيائي.
وتقول نورهان “كانت بداية تعرض الصواني للبيع، لكنني اقترحت عليها أن أعرضها للمقايضة لأن الناس لم تعد قادرة على الدفع أو الشراء”. وتضيف “وافقت لأنه لم يعد لديها أي حل آخر” بعدما فقد زوجها عمله قبل أشهر على غرار كثيرين غيره نتيجة الأزمة الاقتصادية.
لاقت نورهان تجاوبا واسعا على الصفحة. فعرض أطباء عدة خدماتهم، كما تلقت تبرعات من أشخاص في لبنان وخارجه. وبحسب عاملين في منظمات إغاثية ومتطوعين، فإن عائلات كثيرة كانت قادرة على تأمين قوتها اليومي باتت اليوم عاجزة عن توفير أبسط المتطلبات من خبز وطعام ودواء مع خسارة أفرادها عملهم أو قدرتهم الشرائية. ويتوقع خبراء اقتصاديون اضمحلال الطبقة الوسطى.
ويقول حسن حسنة، الذي أنشأ صفحة “لبنان يقايض”، “بدأنا الصفحة لعدم توافر النقد في أيدي الناس وسط شح في السيولة يزداد يوما بعد يوم”. ويضيف “وجدنا أن المقايضة خيار جيد، لكننا فوجئنا بحالات مؤسفة جدا، أشخاص يعرضون ثيابهم لتوفير الطعام والحفاضات”.
واستخدم البعض صفحات المقايضة لعرض حالات اجتماعية غير قادرة حتى على تقديم أي شيء لاستبداله وطلب المساعدة.
تضم صفحة أخرى اسمها “Libantroc”، أنشأت قبل أشهر عدة، أكثر من 50 ألف متابع. وتحولت سريعا، بحسب مشرفين عليها، من صفحة مقايضة لتشمل طلبات مساعدة عدة.
وتقول هلا دحروج، مؤسسة الصفحة، “كبرت الصفحة سريعا فقد كثر العاطلون عن العمل وارتفع عدد من هم بحاجة”. وتتحدث عن أشخاص وجدوا أنفسهم مضطرين للنوم في الشارع بعدما فقدوا عملهم، ولجأوا إلى الصفحة لمساعدتهم على تأمين بدلات إيجار.
ولا يقتصر الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي، فخلال الأشهر الأربعة الماضية، شهدت شيرين قباني إقبالا غير مسبوق على محلها “ثياب العيد” المخصص أساسا لتوزيع ثياب مستعملة مجانا.
وتوضح “عدد الأشخاص الذي أتوا أخيرا ووقفوا في طوابير أمام المحل من أجل الخبز فقط جنوني”.
منذ إطلاقها المبادرة قبل أربعة أعوام، كانت شيرين تتلقى من متبرعين ثيابا مستعملة أو أغراض تموين لتوزيعها على المحتاجين، لكن اليوم تغير الحال وبات المتبرعون والمستفيدون واحدا. وتقول “الأصعب أن أرى متبرعين كانوا يحضرون ثيابهم، وباتوا اليوم يريدون مقايضتها على مؤونة”.
وتروي أنها استقبلت أمهات ألبسن أطفالهن أكياس نايلون أو قماشا بدلا من الحفاضات، وأخريات يطعمونهم الماء والسكر بدل الحليب. وتقول “جاءتني امرأة، قلعت عباءتها وقالت لي (خذيها وأعطيني كيس حفاضات فقط)”.

لبنان – Cedar News
Read More