اكتشاف ثالث أعمق مغارة في لبنان في ”عين اللبنة“ في العاقورة !

بقلم وردية بطرس

بالرغم من صغر مساحة لبنان الا انه يوجد فيه عدد من المناطق الجغرافية المختلفة تماماً حيث هناك السواحل والشواطىء والجبال والأرياف الخضراء الرائعة والمغاور… وان طبيعة لبنان الجيولوجية وتكوين صخوره لهما دور كبير في تكوين المغاور، فالصخور فيها الكثير من الشقوق، وعندما تتجمع المياه الجوفية فوقها تتسرب من خلال هذه الشقوق الى باطن الأرض، كما ان عوامل التآكل الطبيعي والتآكل الكيميائي توسع هذه الشقوق، ما يسمح مع مرور الزمن بتخزن المياه في باطن الأرض لتصل الى طبقة عازلة فيتحول مجراها الى الخارج ويتكون مدخل مغارة.

والمغاور في لبنان عالم متفرد ذو جمال ساحر من نوع آخر، جمال باطني، انه وجه آخر لروعة لبنان ربما يجهله الكثيرون من اللبنانيين، اذ يوجد في لبنان أكثر من 600 مغارة. في أغلب الأحيان يتطلب تشكيل هذه المغاور عنصرين أساسيين هما صخور الكربونات المتصدعة والمياه الحمضية. أما صخور الكربونات المتصدعة فقد صعدت من باطن الأرض بفعل الضغط الذي تعرضت له التكوينات الجيولوجية قبل ملايين السنين، وهي تشكل الآن نحو 65 بالمئة من سطح لبنان. أما المياه الحمضية فتنتج من ذوبان غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من تحلل النباتات وجيف الحيوانات في مياه المطر قبل تسرّبها الى جوف الأرض، ويؤدي استمرار تقطّر المياه الغنية بالكربونات من سقف المغاور الى تشكل الهوابط <Stalectites> ومؤخراً تم اكتشاف مغارة <عين اللبنة> الطبيعية الواقعة في جرد العاقورة، وهي ثالث أكبر مغارة في لبنان اذ دخلت أخيراً على خط الخريطة السياحية بعد ان حازت ترخيصاً باعتبارها مغارة للسياحة الرياضية المنظمة، وهو الترخيص الوحيد المعطى في لبنان وفي الشرق الأوسط، ويتميز هذا الترخيص عن غيره من التراخيص السياحية بأنه لا يسمح ببناء اي منشأة في هذه المغارة بسبب وجود المياه الجوفية في قسم منها، وبالتالي يمنع ادخال اي مواد للبناء خوفاً من تلويثها، باستثناء بعض السلالم والمسكات <الستاينلس الستيل> المقاومة للصدأ، الأمر الذي يعطي رونقاً مميزاً لهذه المغارة ولطريقة زيارتها واستكشافها والاستمتاع بمناظرها الخلابة ويعطي دفعاً قوياً لتثبيت العاقورة كوجهة سياحية بيئية خالية من اي تلوث بيئي.

وهذه المغارة المميزة ستنعش بلدة العاقورة التي تقع في أعالي جبال قضاء جبيل في محافظة جبل لبنان، على ارتفاع 1600 متر عن سطح البحر. والعاقورة هي لفظة سريانية تتألف من كلمتين <عين أورو> ومعناها العين الباردة… وتتربع العاقورة بين جبال السلسلة الغربية، موقعها الجغرافي الاستراتيجي جعل منها محط الأنظار على الأصعدة كافة: من الشمال تحدّها تنورين، ومن الجنوب يفصل جسر فوق نهر الرويس بينها وبين المجدل، ومن الشرق يمتد جردها وصولاً الى اليمون، ومن الغرب يفتح لها اللقلوق بوابة باتجاه الساحل. وتتميز العاقورة بأماكن مدهشة وساحرة بطبيعتها مع اطلالتها المختلفة من المناظر الطبيعية الجذابة، كما تتميز بكثرة ينابيعها المتدفقة واهراماتها الطبيعية المتدفقة. ولا تخلو بقعة من أراضي العاقورة من الكهوف والمغاور، اذ كان بعضها موطناً للانسان في العصور القديمة، كما ان بعضها كان ملجأ للكواسر مثل الضباع والذئاب.

مغارة <عين اللبنة> في العاقورة هي اول استصلاح سياحي رياضي لمغارة في لبنان والشرق الأوسط بناءً لدراسة أعدتها الجمعية اللبنانية لدراسة المغاور <ALES> في خطوة سياحية بيئية ورياضية هي الأولى من نوعها في المنطقة، وقد تم اطلاق مشروع استصلاح مغارة <عين اللبنة> كمغارة سياحية رياضية والذي صدرت الموافقة عليه من قبل وزارة السياحة اثر دراسة شاملة قامت بها الجمعية اللبنانية لدراسة المغاور تقدمت بها الى وزارة السياحة والوزير أفيديس كيدانيان بطلب من مالك المغارة السيد فراس الهاشم. تجدر الاشارة الى ان الجمعية اللبنانية لدراسة المغاور تقدمت بناء على طلب من مالك مغارة <عين اللبنة> السيد فراس الهاشم بتقرير لوزارة السياحة يتناول ملاحظات حول امكانية استثمار المغارة وأهمية استصلاحها لتتماشى مع مبدأ السياحة الرياضية، ولحمايتها من تدخلات الزوار العشوائية. وبتاريخ 27 آذار (مارس) 2019 تم تصنيف مغارة <عين اللبنة> من قبل وزارة السياحة من المغاور الرائعة الصالحة للسياحة الرياضية بحيث يمكن استصلاح بعض الأجزاء منها ضمن هذه الفئة من التصنيف العالمي للمغاور. ومن جهته ابدى السيد فراس الهاشم الحماس لاحياء وانعاش مشاريع مستدامة تساعد على نمو النشاط السياحي لمنطقة العاقورة فتؤمن فرص عمل لسكان المنطقة، وأبدى حباً للطبيعة واندفاعاً للمحافظة على مكوناتها الثقافية والجمالية.

ووفقاً للجمعية اللبنانية لدراسة المغاور فانه خلال العام 1962 تم ادراج اسم مغارة <عين اللبنة> على لائحة المغاور المكتشفة من قبل المستغورين اللبنانيين المهتمين في العالم الجوفي، حيث قام فريق لبناني من خمسة مستغورين بقيادة البروفيسور هاني عبد النور باكتشاف ممرات عدة. وفي العام 1987 تم استكمال الاستكشافات والقيام بأول مسح طوبوغرافي للمغارة، وتعتبر مغارة <عين اللبنة> من أجمل المغاور المعروفة حتى الآن في لبنان، وذلك لتنوع التكوينات الكلسية فيها <Stalactites, draperies, coulees, stalagmitiques, piliers, microgours…> والى جانب أهمية هذه المغارة من حيث جمالها فان تكوينها الجيولوجي يسمح بتسيير رحلات رياضية علمية لطلاب الجامعات والمدارس ومحبي الاستكشاف نسبة الى امكانية مشاهدة كل العوامل الجيولوجية والكارستية.

مالك الأرض فراس الهاشم واكتشاف المغارة!

ومؤخراً اكتشف أحد ابناء بلدة العاقورة هذه المغارة التي تقع تحت ارض يملكها في البلدة، اذ ان حشرية مالك الأرض السيد فراس الهاشم دفعته عندما كان يرى هوة في المياه لمعرفة مصدر تلك المياه الى ان قرر ان يكتشف الأمر فكانت المفاجأة: مغارة رائعة الجمال.

<الأفكار> التقت مكتشف المغارة السيد فراس الهاشم وتحدثنا عن اكتشاف ثالث اعمق مغارة في لبنان وعن مميزاتها وأهميتها، فنسأله أولاً عن سبب اهتمامه بالمغارة فيقول:

– لا بد من التنويه هنا ان هذه المغارة كانت قد اكتشفت في العام 1963، وهي مغارة رائعة الجمال تقع في منطقة بجرد العاقورة تدعى <عين اللبنة> وهي أرض رائعة تتمتع بمناظر جميلة ومختلفة، اذ تقع المغارة في أرض مجرى نهر شتوي ينتهي بهوة او مجرى نهر منخفض، وكنت اعتقد دائماً انها هوة في الماء، ولكن منذ سنتين وبدافع الحشرية اردت ان أرى ماذا يوجد تحت، وطبعاً لا يمكن الدخول الى المغاور لوحدي اذ اتصلت بصديقين لديهما خبرة بالمغاور، وعندما نزلنا الى القعر وجدنا المغارة وكلما دخلنا رأينا مناظر طبيعية جميلة أكثر فأكثر، وسيكتشف الناس جمال هذه المغارة عندما تُفتح أمام الزوار في العام المقبل، اذ تحتوي مغارة <عين اللبنة> على معظم ما يمكن مشاهدته تحت الأرض من ترسّبات كلسية طبيعية من صواعد، وهوابط، وجدرانيات، وأعمدة، وممرات، وبرك مياه… كما تعتبر المغارة موقعاً طبيعياً بيئياً مهماً نسبة الى وجودها في منطقة تحوي اروع المناظر الطبيعية.

وهذه المغارة هي بعمق 50 او 60 متراً وكلما توغلنا في العمق نرى أشكالاً جميلة. وتحتوي هذه المغارة على كل ما يتخيله الانسان من تكونات كلسية تحت الارض اي هناك <stalagmitiques> (وهو مصطلح يقصد به تكونات كربونات الكالسيوم التي تنتصب على أرضية الكهوف من جراء تقاطر المياه المعدنية عبر زمن طويل)، كما توجد بداخل المغارة شلالات صغيرة وشلالات كبيرة، وهذه المغارة قديمة جداً اذ ربما تعود لآلاف السنين.

الجمعية اللبنانية لدراسة المغاور الموكلة بتجهيز المغارة!

وعن الجمعية اللبنانية لدراسة المغاور الموكلة بتجهيز المغارة يشرح:

– عندما اكتشفت هذه المغارة في العام 2017 تصفحت الموقع الالكتروني لوزارة السياحة لأرى ما هو المطلوب مني من أوراق لأحضرها كون هذه المغارة تقع تحت أرض أملكها، فقمت بكل ما يلزم إذ بموجب الدراسات التي تضعها وزارة السياحة فإنها تطلب تقارير من ثلاثة أندية تهتم بالكشف عن الكهوف والمغاور وهذه الأندية هي:

<الجمعية البنانية لدراسة المغاور> ( ALES) وهي موكلة بتجهيز مغارة <عين اللبنة>، و<الجمعية اللبنانية للأبحاث الجوفية> (GERSL)، و<النادي اللبناني للتنقيب في المغاور> (Speleo club du Liban) وبالتالي هذه الأندية تقوم باستكشاف المغاور، وهي تعرف عن مغارة <عين اللبنة> ولكن لم تتحدث عنها لحمايتها من العبث والتخريب، ويوجد في لبنان تقريباً 670 مغارة قامت هذه الأندية بكل ما يتعلق بالخرائط حول هذه المغاور. وهذه المغارة لغاية اليوم هي ثالث أعمق مغارة في لبنان، اذ يبلغ طول عمقها 4 كيلومتر ونصف الكيلومتر، وفيها ممرات عدة. والقسم المرخص للسياحة الرياضية هو الذي يمرّ ضمن الأرض، وكما ذكرت ان هناك شلالات مياه صغيرة وكبيرة بداخل المغارة، فعندما ينهي الزائر زيارته سيجد الشلالات تحت الارض. ولأنه توجد قطعة أرض فوق هذه المغارة فيمكن ان يُقام عليها مشروع كبير لجذب السياح، وعلى أمل تحقيق ذلك نأمل ان تصبح العاقورة نقطة جذب للسياح ولمحبي المغاور ليس في لبنان فقط بل في الشرق الأوسط ككل، وهذا لا ينعش السياحة فقط بل يساعد على تنمية البيئة المستدامة اي يجب الا يكون هناك اي تلوث يلحق الضرر بالمغارة، حتى انه لن تستخدم الكهرباء في المكان بل سنلجأ الى الطاقة الشمسية.

انعاش بلدة العاقورة!

 ــ الى اي مدى تأمل ان تنتعش العاقورة بعد افتتاح المغارة امام الزوار والسياح؟

– أولاً لا بد من التنويه هنا ان هناك واقعاً محزناً في منطقة شمال جبل لبنان، اذ ليس هناك عامل جذب للسياح، اذ ليس هناك اي استثمار قامت به الدولة، اذ تجدين عدداً قليلاً من المطاعم، وبالتالي شمال جبل لبنان لا يزال فقيراً اقتصادياً وسياحياً ونأمل من هذا المشروع ان يستقطب السياح، مبدئياً هذا المشروع هو نقطة الجذب الوحيدة في المنطقة وسيكون أول مشروع في شمال جبل لبنان وتحديداً في العاقورة.

فموقع المغارة في منطقة تتمتع بطبيعة خلابة سينعكس ايجاباً على العاقورة من الناحية السياحية كونها محاطة بجبال ووديان اذ تتميز العاقورة بشجر اللزاب، بالتالي سيقصدها الناس الذين يقومون بتسلق الجبال في المنطقة للاستمتاع بهذه المنطقة الجميلة، كما ان أصحاب الأراضي في هذه المنطقة سيرغبون باقامة مشاريع استثمارية، وعلى هذا الأساس نأمل ان تنتعش العاقورة بعد افتتاح المغارة امام الزوار ومحبي المغاور للتعرف على جمال المغاور ومزاولة الرياضة. وعندما تنتعش العاقورة سيتحمس ابناء البلدة والبلدات المجاورة لانشاء مشاريع مثلاً المطاعم، وانشاء البيوت الخشبية حفاظاً على البيئة لتستقبل الناس الذين يودون الاستمتاع بالسياحة البيئية.

مغارة للسياحة الرياضية!

وعن تميز مغارة <عين اللبنة> بأنها مغارة للسياحة الرياضية يشرح:

– في لبنان هناك عدد كبير من المغاور، وهناك من يحب التعرف عليها حيث يستمتع بمشاهدة أشكال جميلة ومميزة تحت الأرض، وعندما تُفتح المغارة امام الناس سيستمتع بكل هذه الأمور التي ذكرتها، ولكن تميزها عن غيرها انها مغارة للسياحة الرياضية، وهو الترخيص الوحيد في لبنان والشرق الأوسط، وبهذا الاطار لا يُسمح ببناء اي منشأة في هذه المغارة، ويُمنع ادخال اي مواد للبناء لحمايتها من التلوث، اذ ستُستخدم بعض السلالم والمسكات <الستاينلس الستيل> المقاومة للصدأ، وبذلك سيتم الحفاظ على المغارة بشكل جيد. ولا يغيب عن البال الناحية التربوية في هذا الخصوص اذ سيتمكن تلاميذ المدارس من التعرف على التكوين الجيولوجي اثناء زيارتهم لهذه المغارة مما سيسهل عليهم فهم مادة الجغرافيا وما شابه، اذ سيقوم الأساتذة بشرح كل ما يتعلق بالتكوين الجيولوجي.

التعاون مع وزارة السياحة!         

ــ وماذا عن التعاون مع وزارة السياحة؟

– طبعاً نشكر وزارة السياحة بشخص وزير السياحة أفيديس كيدانيان اذ قام بمنح الترخيص لمغارة سياحية رياضية، وأيضاً نشكر مدير عام وزارة السياحة السيدة ندى السردوك اذ انها حملت الراية مع الوزير أيضاً وعملت بجهد في هذا الخصوص، كما نشكر كل العاملين في وزارة السياحة لأن هذه المغارة مميزة كونها ليست فقط مغارة سياحية بل هي رياضية أيضاً مما سينعكس ايجاباً على هذه المنطقة وعلى لبنان ككل اذ ستستقطب السياح للتعرف عليها أكثر.